أعقبتها الآية [١٢٥] بشرى ربانية مباشرة فيها تأييد للبشرى النبوية مع زيادة بالعدد إذا كرّ عليهم العدو أو لقوه. وإذا صحّ هذا كما نرجو تكون الآيتان وما فيهما من بشرى الله ورسوله بالمدد عائد إلى يوم أحد والله تعالى أعلم.
ولقد روى المفسرون (١) أن الآية [١٢٨] نزلت لتنبيه النبي حينما قال وقد شجّ رأسه : «كيف يفلح قوم شجّوا نبيّهم» أو حينما كان يختص باللعن بعض قوّاد الحملة مثل أبي سفيان وصفوان بن أمية والحرث بن هشام. أو حينما دعا على مضر بسبب عداء قريش وتعذيبهم للمسلمين المستضعفين الذين لم يستطيعوا الإفلات والهجرة أو حينما دعا على قبائل لحيان ورعل وذكوان وعصية بسبب عدوانهم على جماعة من المسلمين واغتيالهم إياهم غدرا. وباستثناء الرواية الأولى فإن شيئا من الروايات الأخرى لم يرد في الصحاح. والرواية الأولى جاءت في حديث رواه الشيخان والترمذي عن أنس قال : «إنّ رسول الله كسرت رباعيته يوم أحد وشجّ رأسه فجعل يسلت الدم عنه ويقول : كيف يفلح قوم شجّوا نبيّهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) الآية» (٢).
والحديث يقتضي أن تكون الآية نزلت لحدتها. والروايات الأخرى تقتضي أن تكون الآية نزلت لحدتها وفي غير مناسبة أحد. والذي يتبادر لنا أن فيها وفي الآية التي تلتها تعقيبا على الآية [١٢٧] وأن جملة (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) أسلوبية أو استدراكية. وأنها انطوت على تنبيه من الله تعالى موجه إلى النبي بأنه وإن كان يبشّر المؤمنين بالمدد والنصر ليقطع طرفا من الكفار أو يكبتهم ويذلهم ويردهم خائبين فإنه يظل يحتفظ بالأمر لنفسه وأن الأمر أمره وحده فقد يتوب عليهم وقد يعذبهم. وإذا عذّبهم فإنه يعذّبهم لأنهم ظالمون مستحقون للعذاب. ولا ننفي أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم قال ما جاء في الحديث. وخبر نزول الآية في هذه
__________________
(١) انظر الطبري وغيره ، والطبري أكثرهم استيعابا للروايات التي رويت في صيغ مختلفة وعديدة.
(٢) انظر التاج ج ٤ ص ٣٧٤.