رووا روايتين في ذلك (١). ذكر في إحداهما أن واحدا من المسلمين جاءته امرأة تشتري منه تمرا فقال لها في البيت ما هو أجود فلما خلا بها في بيته ضمّها وقبّلها فقالت له اتق الله فتركها ثم داخله خوف وفزع فهام على وجهه ثم أتى رسول الله فاعترف له فنزلت. وذكر في ثانيتهما أن بعض المسلمين قالوا يا رسول الله بنو إسرائيل أكرم على الله منّا فإذا ما أذنبوا وجدوا الكفارة التي يجب أن يكفروها عن ذنبهم مكتوبة على عتبات أبوابهم فكفّروا وزال عنهم الذنب ، فلم تلبث الآية أن نزلت ، فقال ألا أخبركم بخير من ذلك فقرأها عليهم. والروايات لم ترد في الصحاح وتبدو الآيات جميعها منسجمة متساوقة كأنما هي وحدة تامة. وإلى هذا فالآيات تبدو لأول وهلة فصلا مستقلا لا صلة له بسياق مشاهد وقعة أحد ويبدو وضعه في محله غير مفهوم الحكمة لأن ما قبله وما بعده متصل بمشاهد هذه الوقعة.
ولقد احتوت آيات آتية في صدد مشاهد يوم أحد أن من المسلمين من استمع إلى وساوس المنافقين وتذمّر من عدم سماع النبي لرأيه. وأن منهم من عصا النبي وترك المكان الذي عيّنه له في الحرب وأن منهم من لم يستطع كظم غيظه. مما قد يجعل احتمال صلة بين هذه الآيات وبين ما كان من بعض المسلمين أثناء وقعة أحد وبعدها. غير أن النهي عن أكل الربا أضعافا مضاعفة في الآيات لا يبدو متصلا بشيء من ذلك.
وعلى كل حال ففي الآيات كما هو المتبادر نهي وموعظة وتنبيه وتنويه في صدد أمور وقعت فعلا قبل نزولها فشاءت حكمة التنزيل الوحي بها ووضعها في موضعها.
ولقد روينا في صدد آيات الربا [٢٧٥ ـ ٢٨١] في سورة البقرة أن هذه الآيات من أواخر ما نزل من القرآن. والمتبادر والحالة هذه أن النهي عن أكل الربا أضعافا مضاعفة الوارد في الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها قد نزل قبل آيات
__________________
(١) انظر تفسير الطبري والطبرسي.