الله رجل يقال له كركرة فمات فقال النبيّ هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها» (١). ومما ورد في غلول العمال حديث رواه الشيخان وأبو داود عن أبي حميد قال : «استعمل النبيّ صلىاللهعليهوسلم رجلا من الأسد يقال له ابن اللّتبيّة على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي لي فقام رسول الله على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي إليّ أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أمّه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟. والذي نفس محمّد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر. ثمّ رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ثم قال اللهمّ هل بلّغت ، مرّتين» (٢). وحديث رواه أبو داود والحاكم عن بريدة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول». وحديث رواه الإمام أحمد عن أبي حميد قال : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال هدايا العمال غلول» (٣).
وواضح أن الأحاديث تنطوي على أن هذه الآية قد احتوت تلقينا مستمر المدى وإن نزلت في تنزيه مقام النبوة عن الغلول. وهو تلقين في وجوب رعاية كلّ إنسان ما يوكل إليه حفظه والتصرّف فيه من الأموال العامة والأمانات بكلّ دقة وعدم إساءة استعماله وفي وجوب التزام كلّ عامل من عمّال الدولة النزاهة والتجرّد وتجنّب التهمة والشبهة واستغلال عمله ، وفي التشنيع على من يخالف ذلك بأي شكل من الأشكال. وفي ذلك من الروعة والجلال ما يغني عن الإطناب.
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣)) [١٦٢ ـ ١٦٣].
في الآيتين تساؤل ينطوي على النفي عما إذا كان يصح التسوية بين الذين
__________________
(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) التاج ج ٣ ص ٤٩.
(٣) انظر تفسير ابن كثير وهناك في الكتب الخمسة وفي كتب التفسير أحاديث أخرى من هذا الباب فاكتفينا بما أوردناه. انظر التاج ج ٣ ص ٤٩ و ٥٠ وج ٤ ص ٣٥٠ و ٣٥١.