تردّ أرواحنا إلى أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى» (١). ومنها حديث أخرجه الإمام أحمد جاء فيه : «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرّها أن ترجع إلى الدنيا إلّا الشهيد فإنّه يسرّه أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى بما يرى من فضل الشهادة» (٢). ومنها حديث عن جابر جاء فيه : «لمّا قتل أبي يوم أحد جعلت أبكي فقال لي رسول الله لا تبكه ، ما زالت الملائكة تظلّله بأجنحتها حتى رفع» (٣). ولقد تطرق بعض المفسرين من هذا إلى التساؤل عما إذا كانت الجنة مخلوقة الآن استنادا إلى الحديث وعمّا إذا كانت حياة الشهداء روحانية أو جسمانية. ومنهم من اتخذ الآية والحديث دليلا ضد المعتزلة الذين لا يسلّمون بأن الجنة مخلوقة الآن (٤).
وعلى كل حال فواجب المؤمن أن يؤمن بما جاء في الآيات والأحاديث النبوية المفسرة أو المتسقة معها مع الملاحظة أن ذلك من الأمور الغيبية التي يجب الوقوف منها عند ما وقف عنده القرآن أو المأثور الثابت من أحاديث النبي مع استشفاف ما لا بدّ أن يكون في عبارتها من حكمة دنيوية أيضا. ويتبادر لنا من ذلك قصد تبشير الأحياء من المسلمين وتطمينهم بالنسبة لشهدائهم الأعزاء وبالنسبة لأنفسهم. وحثّهم على الثبات على دين الله والجهاد في سبيله الذي يضمن لهم التكريم الرباني العظيم.
وإطلاق العبارة في الآيتين يسوغ القول أن فيها علاجا روحيا قويا مستمر المدى في صدد الحثّ على الجهاد مهما كانت النتيجة. يستمد منه المؤمن المخلص في كل وقت إيمانا وثباتا وجرأة وإقداما. فما دام الموت أمرا محتما على كل امرئ وما دام أنه لا يكون إلّا في الأجل المعين عند الله وما دام للشهيد هذه
__________________
(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) انظر تفسير ابن كثير.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) انظر تفسير الخازن.