في صدد المؤمنين والمنافقين ووقعة أحد التي كان المشركون طرفا فيها. ولهذا فإن رواية كونها في اليهود لا محلّ لها كما هو المتبادر. ومن الجائز أن يكون المنافقون قد تبجحوا بما كان لهم من عاقبة وسلامة أو المشركون بما كان لهم من نصر وتفوق في المعركة فاقتضت حكمة التنزيل تكذيبهم وإنذارهم مع التنبيه على أن المتبادر أن الآية جزء من السياق ولم تنزل لهذه الغاية لحدتها وإنما نزلت مع السياق بعد الوقعة وانطوى فيها ما انطوى من مقصد ، والله أعلم.
ومن الجدير بالتنبيه أن في القرآن وبخاصة المكي منه آيات كثيرة تذكر أن الكفار كانوا يحسبون ما ييسره الله لهم من سعة رزق وأسباب قوة هو علامة لرضاء الله وتذكر كذلك أن ذلك في حقيقة الأمر بمثابة استدراج وإملاء واختبار. وفي بعضها تكذيب لظنهم (١) والعبارة هنا من هذا القبيل كما هو المتبادر.
ولقد كانت الآية من الموضوعات الجدلية بين علماء الكلام كما كانت موضوع تمحّل من بعض الأغيار. وليس فيها ما يتحمل ذلك ، أو يستدعيه. فقد جاءت تعبيرا أسلوبيا استهدف تسكين المؤمنين وتطمينهم وإنذار الكفار معا على الوجه الذي شرحناه والذي نرجو أن يكون فيها الصواب.
على أن من الممكن أن يقال إن الذين كفروا قد كفروا بسبب خبث نياتهم وفساد أخلاقهم فاستحقوا ما جاء في الآية نتيجة لذلك. وبهذا يزول ما قد يبدو ظاهرا من إشكال من كون الله يملي لهم ليزدادوا إثما والله تعالى أعلم.
ولقد أورد الخازن في سياق الآية حديثا عن النبي جاء فيه : «إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فإن ذلك استدراج منه ثم قرأ الآية». والحديث لم يرد في الصحاح ولكنه متساوق مع مدى الآية وتوضيح لها.
ولقد قال الطبري وغيره إن جملة (نُمْلِي لَهُمْ) بمعنى (نطيل أعمارهم) ولقد أورد الخازن في صدد ذلك حديثا جاء فيه : «إنّ بعضهم سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيّ
__________________
(١) اقرأ آيات سورة القلم [٤٤ و ٤٥] والأعراف [١٨٢ و ١٨٣] والمؤمنون [٥٥ و ٥٦] مثلا.