(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)) [١٨٠].
عبارة الآية واضحة وفيها تنديد وإنذار للذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله. مع التنبيه على أن ميراث السموات والأرض لله وحده بسبيل التشديد في التنديد والإفحام من حيث إن الذين يبخلون إنما يبخلون بمال الله وهو يأمرهم بعدم البخل به.
ولم يرو المفسرون مناسبة خاصة لنزول الآية وإنما أوردوا أقوالا فيما عنته. منها قول معزوّ إلى ابن عباس أنها في حقّ أهل الكتاب الذين يكتمون ما عندهم من البينات والدلائل على صدق الرسالة المحمدية مؤولا البخل بالكتمان. ومنها قول معزوّ إلى السدي وغيره أنها في مانعي الزكاة (١). وفي فصل التفسير في صحيح البخاري في سياق تفسير آل عمران حديث عن أبي هريرة جاء فيه : «قال رسول الله : من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثّل له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا الآية» (٢). وجمهور المفسرين على أن القول الثاني هو الأوجه وهو حقّ ومتسق مع فحوى الآية. ولا سيما أن النعي على الذين أوتوا الكتاب لكتمانهم إيّاه هو موضوع آيات أخرى في هذه السورة تأتي بعد قليل. ويبدو من هذا أن الآية ليست من السياق السابق.
ولقد حكت الآيات التالية لهذه الآية قول اليهود بأنهم أغنياء والله فقير وروي أن هذا كان منهم جوابا للنبي صلىاللهعليهوسلم في وقت طلب منهم مساعدة على ما سوف نذكره بعد حيث يتبادر لنا أن بين هذه الآية والآيات التالية صلة وأنها جاءت بمثابة تمهيد لحكاية ذلك القول وتعنيف اليهود عليه ووصفهم بالبخل بمناسبته. وبكلمة
__________________
(١) انظر تفسيرها في الطبري والخازن وابن كثير.
(٢) انظر التاج ، ج ٤ ص ٧٨ ، والشجاع هو الثعبان واللهزمتان هما الشدقان من تفسير مؤلف التاج.