«بتّ عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فتلا الآيات ثم قام فتوضأ واستن وصلّى إحدى عشرة ركعة ثم أذّن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح» (١). وروى ابن كثير حديثا أخرجه ابن مردويه جاء فيه : «أنّ عبد الله بن عمر سأل عائشة أم المؤمنين عن أعجب ما رأته من النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فبكت ثم قالت : كلّ أمره كان عجبا ، أتاني في ليلتي حتى دخل معي في فراشي ولصق جلده بجلدي ثم قال يا عائشة ائذني لي أتعبد لربي قلت إني لأحبّ قربك وأحبّ هواك. فقام إلى قربة في البيت فما أكثر صبّ الماء ثم قام فقرأ القرآن ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حقويه ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حجره. ثم اتكأ على جنبه الأيمن ووضع يده تحت خده ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض فدخل عليه بلال فآذنه بصلاة الفجر فلما رآه يبكي قال يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا ، وما لي لا أبكي وقد نزل عليّ الليلة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) إلى آخر الآيات ، ثم قال ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكّر فيها». وروى ابن كثير عن أبي هريرة حديثا آخر جاء فيه : «إنّ رسول الله كان يقرأ هذه الآيات كلّ ليلة».
والحديثان الأخيران لم يردا في الصحاح. ونتوقف إزاء ما جاء في الأول بخاصة من سيلان دموع النبي حتى تبلغ حقويه ثم حجره ثم الأرض. ومهما يكن من أمر ففي الأحاديث صورة لاستغراق النبي صلىاللهعليهوسلم في عبادة ربّه وشكره وبخاصة في الليل ، وهو ما كان أمر به في أول رسالته على ما جاء في الآيات الأولى من سورة المزّمل.
ومع أن الآيات قد عنت الفئة المخلصة التي هاجرت وأوذيت وقاتلت في سبيل الله وتحملت التضحيات في عهد النبي فإن في أسلوبها معنى التعميم
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٧٩ ومعنى استنّ : نظف أسنانه بالسواك.