والرسول. وذلك بسبيل الحثّ على المسارعة إلى الطاعة والاستجابة. وقال آخرون إنها من قبيل (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وإنها بمعنى أن الله يحول بين عقله وماذا يعمل فيتركه في حيرة ، أو أنه يحول بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان (١). والقول الأول هو الأوجه كما يتبادر لنا ، ومما يتبادر لنا أن يكون انطوى في الجملة تنبيه بأن الله قد يبتلي المترددين المتأخرين في الاستجابة والطاعة فتقسو قلوبهم ويفقدون قابلية الخير والانصياع للحق. وعلى كل حال فالجملة تستهدف الحثّ على الإسراع للاستجابة والطاعة كما يتضح من الإمعان في السياق.
وقد قال بعض المفسرين (٢) في تأويل جملة (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) إنها بمعنى لو كان الله يعلم فيهم قبولا للهدى وإقبالا على الحق لأسمعهم ما ينصرفون عن سماعه. وقال بعضهم : إنها بمعنى أن الله لو علم فيهم استعدادا للسمع لأسمعهم الجواب عن كل ما سألوا (٣). وكلا التأويلين وجيه. ومما يتبادر لنا أن الجملة هي بشأن بيان حالة الصمّ البكم الممثلة بهم حالة الفئة المقصودة التي تقول سمعنا وهم لا يسمعون وأنها بسبيل تقرير أن الله يعلم أن الصم البكم لا يمكن أن يسمعوا ولو سمعوا صوتا ما لا يمكن أن يعقلوه ويردوا عليه. وأن هذه الفئة المقصودة مما انطوى في نفوسها خبث وسوء نيّة وعناد لا يمكن أن تسمع ولو سمعت لا يمكن أن تعقل لأنها كالصمّ البكم الذين لا يسمعون ولا يعقلون. أما الفئة المقصودة فالغالب أنها المنافقون والذين في قلوبهم مرض. فهم الذين يقولون سمعنا وأطعنا. وحقيقة حالهم هي أنهم لم يؤمنوا ولم يسمعوا ولم يطيعوا.
ومع خصوصية موضوع الآيات وظروفها فإنها تنطوي على حكم جليلة مستمرة التلقين.
__________________
(١) انظر تفسيرها في الطبري والخازن وابن كثير.
(٢) انظر تفسيرها في تفسير الطبرسي.
(٣) انظر تفسيرها في الطبري والخازن.