واقتصار السورة عليه وعلى الفصل السابق له إلّا إذا صحّ ما ذكرناه في المقدمة. ونرجو ذلك.
وقد روى البخاري والترمذي في مناسبة نزول الآية الأخيرة فقط من هذه الآيات حديثا عن جابر قال : «أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم فثار الناس إلا اثني عشر رجلا فأنزل الله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً)» (١).
ولقد أورد الطبري وغيره هذا الحديث ورووا زيادة مهمة لم ترد في الصحاح. ومن ذلك ما رواه البغوي أن الانفضاض كان بسبب سماع طبل صاحب القافلة. وأن النبي صلىاللهعليهوسلم غضب من ذلك حتى قال : «والذي نفس محمّد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد لسال بكم الوادي نارا». وفي رواية : «أنه سأل كم بقي في المسجد فقالوا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال لو لا هؤلاء لسوّمت لهم الحجارة من السماء». وفي رواية رواها الطبري : «أن الانفضاض تكرّر ثلاث مرات على ثلاث جمع لم يكن يبقى في كلّ جمعة إلّا اثنا عشر رجلا وامرأة وأن النبي قال في الثالثة والذي نفسي بيده ولو اتّبع آخركم أولكم لالتهب عليكم الوادي نارا ، وأنزل الله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً ...) إلى آخر الآية».
والذي يتبادر لنا أن الآيات الثلاث نزلت دفعة واحدة في مناسبة تسلل المسلمين من المسجد. وقد احتوت الأولى والثانية بيانا تمهيديا بخطورة شهود صلاة الجمعة. وترك البيع في وقتها كمقدمة للتنديد. وفي هذا إذا صح صورة من صور المسلمين في العهد المدني. والراجح أنها صورة للمسلمين المستجدين من غير الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار الذين تواترت الروايات على أنهم كانوا مستغرقين في الله ورسوله ، وأيّدت ذلك الآيات العديدة التي مرّت أمثلة منها.
وروح الآيات تلهم أن صلاة يوم الجمعة والقيام للخطبة بين يديها مما كان جاريا ومفروضا قبل نزولها وأنها نزلت للحثّ على شهودها وبيان خطورتها
__________________
(١) انظر التاج ج ٤ ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥ وكلمة (عير) بمعنى القافلة ومن ذلك في سورة يوسف (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٨٢).