همّوا أن يفشلوا يوم أحد على ما ذكرته آيات سورة آل عمران. ونحن نتوقف في هذا. فهؤلاء قد ثبتوا وعفا الله عنهم كما جاء في آيات هذه السورة أيضا والسياق في صدد المنافقين ، ونرجح بل نجزم أنهم هم المعنيون في الآية. ولقد كان هؤلاء تخاذلوا يوم أحد ونرجح أنهم عاهدوا رسول الله والمؤمنين على أن لا يكرروا موقفهم فكذبوا وكرروه فاستحقوا ما احتوته الآيات من حملة قارعة مع مقابلة ذلك بما فعله المخلصون من الوفاء بما عاهدوا عليه فكان منهم من استشهد في هذه المعركة وقبلها ومنهم من ينتظر حتى يكون من مصداق ما عاهدوا الله عليه دون انحراف.
ومما رواه ابن هشام (١) أن النبي صلىاللهعليهوسلم بعث إلى قائدي قبائل غطفان يساومهما على الرجوع عن المدينة مقابل ثلث ثمارها فقبلا فاستدعى زعيمي الأوس والخزرج واستشارهما فسألاه هل هذا من الله أم من صنعك قال بل من صنعي حيث رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمر ما. فقال سعد بن معاذ لقد كنا وهؤلاء على الشرك ولا يطمعون أن يأكلوا ثمرة منها إلّا من قرى أو بيعا. أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا به وبك نعطيهم أموالنا. والله لا نعطيهم إلّا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فرجع رسول الله حينئذ عن رأيه حيث ينطوي في الخبر صورة رائعة من قوة نفوس المؤمنين وشجاعتهم واعتزازهم بالإسلام. وتلقين مستمر المدى سواء فيما كان من تفكير رسول الله في المساومة كتدبير وقائي ودفاعي في الظرف العصيب الذي واجهه المسلمون أم في رجوعه عنه لأنه كان اجتهادا منه.
ولقد روى البخاري وابن هشام خبر معجزات نبوية حدثت أثناء الخندق (٢). منها إشباع أهل الخندق بثمرات قليلة بسطها رسول الله على ثوب ، وإشباعهم بطعام من صاع برّ وذبيحة صغيرة صنعته زوجة جابر بن عبد الله لما قال لها إنه رأى
__________________
(١) ابن هشام ج ٣ ٢٢٩ و ٢٣٠.
(٢) انظر التاج ، ج ٣ ص ٢٥٠ و ٢٥١ ، وابن هشام ج ٣ ص ٢٣٣ ـ ٢٣٩ وروى الطبري وغيره هذه المعجزات أيضا في سياق تفسير الآيات.