على أن هبة التي وهبت نفسها للنبي ليست بمعنى التملك أو الزواج بدون عقد ومهر. وهو في محله. وقد روى ابن هشام أن العباس عمّ النبي هو الذي زوجها للنبي وأصدقها عنه أربعمائة درهم (١).
ولقد كان استثناء القرآن النبيّ صلىاللهعليهوسلم من تحديد الزوجات الوارد في حق سائر المؤمنين موضع انتقاد وغمز من قبل الأغيار بزعم أنه يضع لنفسه قوانين خاصة كما كانت كثرة زوجاته موضع غمز ونقد أيضا بزعم أن ذلك يدلّ على شدة شهوانيته.
ولقد ردّ كتّاب المسلمين على هذا وذاك ردودا متنوعة وجيهة. منها أن النبي صلىاللهعليهوسلم في تعدد زوجاته لم يكن شاذّا عن بيئته وعن الطبيعة البشرية. ومنها أن لأكثر زوجاته ظروفا غير دواعي الرغبة الجنسية إذ توخّى في بعضها تكريم صاحبيه أبي بكر وعمر وفي بعضها توثيق الرابطة بين الإسلام وبعض القبائل كزيجته بجويرية المصطلقية التي كان من نتائجها إسلام جميع قبيلتها وفي بعضها تكريم الزوجات التي مات أزواجهن في الحبشة أو استشهدوا في الجهاد مثل أم حبيبة وأم سلمة (٢) وسودة. ومنها أن نصف زوجاته كنّ من المتقدمات في السنّ وأمهات أولاد كبار ممن تقلّ الرغبة الجنسية فيهن عادة. وجوهر ومدى الردود صحيحان كلّ الصحة (٣).
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في البغوي والخازن وابن كثير والطبري والطبرسي ثم ابن هشام ج ٤ ص ٣٢٤ وابن سعد ج ٣ ص ١٦٩.
(٢) أورد ابن كثير في سياق الآية [١٥٥] من سورة البقرة حديثا رواه الإمام أحمد عن أم سلمة جاء فيه : «إن النبي صلىاللهعليهوسلم خطبها بعد انتهاء عدّة حدادها على زوجها أبي سلمة الذي مات شهيدا في حرب ، فقالت له : أنا امرأة قد دخلت السن وأنا ذات عيال وأنا امرأة شديدة الغيرة فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به ، فقال : أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبا الله عنك ، وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي».
(٣) انظر كتاب حياة محمد لهيكل طبعة ثانية ص ٣٠٣ ـ ٣١٧ وتاريخ الإسلام السياسي لحسن