باستثناء الجملة الأخيرة التي هي من قبيل الاجتهاد والتي لا نرى لها وجها من حيث إن إنقاص الصبر يذهب بحكمة التخفيف الذي هو بمثابة رحمة ونعمة من الله ويجعل ذلك عقوبة والله أعلم.
وعلى كل حال فإن روح الآيتين تدل على أن هدفها الرئيسي هو بثّ روح الصبر والثبات في المسلمين تجاه أعدائهم وإيذانهم بأنهم سيغلبون أعداءهم إذا ما صبروا مهما قلّ عددهم وكثر عدد أعدائهم لأنهم يقاتلون عن إيمان. وفي هذا ما فيه من علاج نفسي مستمر المدى.
ولقد قال بعض المفسرين إن في الآية [٦٦] أي الثانية نسخا للأولى. وقال بعضهم إن التخفيف ليس نسخا ، وهذا هو الأوجه ولا سيما إن المبدأ المنطوي في الآية [٦٥] ظلّ ماثلا في الآية [٦٦] وهو أن المؤمنين يستطيعون أن يغلبوا إذا صبروا وثبتوا عددا أكثر من الأعداء ولو كانوا أضعافهم.
ولقد ظهر في معظم وقائع الفتح التي وقعت في عهد الخلفاء الراشدين بل وبعدهم مصداق كلام الله عزوجل قويا باهرا حيث تواترت الروايات إلى حدّ اليقين بأن المسلمين كانوا يلقون أعداءهم وهم أكثر منهم مرتين وثلاثا وأكثر وينتصرون عليهم بقوة ما كان من إيمانهم بأنهم يقاتلون في سبيل الله وبأن الله ناصرهم على أعدائهم وبأن لهم الفوز على كل حال بإحدى الحسنيين. النصر أو الاستشهاد. والآيات على ضوء هذا الشرح والوقائع تظل مستمد مدد فيض للمسلمين في كل وقت.
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)) [٦٧ ـ ٦٩]
(١) حتى يثخن : بمعنى حتى يقوى ويشتدّ أمره ويتمكن في الأرض.