الإشارات ما يفهم أنه كان من هؤلاء العاجز أو الممنوع عن الهجرة بالقوة ، ومنهم من كان يكتم إيمانه كما جاء في هذه الآيات من سورة النساء : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) (٧٥) و (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (٩٩) وآية سورة الفتح هذه : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [٢٥] ومنهم من كان مستسلما مقصرا عن الهجرة بدون عذر كما جاء في آية سورة النساء هذه : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٩٧).
وأسلوب الكلام في حقّ الأخيرين في آية الأنفال [٧٢] والتي نحن في صددها ، ينطوي على شيء من التأنيب. كما أن أسلوب آية النساء [٩٧] جاء شديدا قاسيا في حقهم. وهذه حكمة التنزيل التي لم توجب على المهاجرين والأنصار نصرا لهؤلاء إلّا في حدود ضيقة. فحريتهم الدينية هي مما يجب نصرهم فيها لأن الأمر متعلق بكلمة الله ودينه وهذا مما ينطوي في تعبير (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) ومع ذلك جعل هذا الواجب في حدود ضيقة أيضا حيث جعله في حالة ما إذا كان الاستنصار على جماعة ليس بينهم وبين المسلمين ميثاق صلح وسلام. أما حقوقهم ومصالحهم الدنيوية وما ينشأ عن التضامن القبلي أو العائلي من تبعات وواجبات فلا شأن لهم به.
ولقد روى الشيخان وأحمد وأصحاب السنن حديثا نبويا جاء فيه : «لا هجرة بعد الفتح وإنما نيّة وجهاد. وإذا استنفرتم فانفروا» (١). حيث يسوغ القول إن هذا
__________________
(١) انظر تفسير آية النساء [١٠٠] في تفسير الخازن والمنار وانظر تعليق السيد رشيد رضا على هذا الموضوع. وقد ورد هذا الحديث في التاج برواية الخمسة مع فرق يسير وهذه صيغته : «إن النبي صلىاللهعليهوسلم قال يوم الفتح لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا ...» التاج ، ج ٤ ص ٣٠٤.