(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (٢١٤))
البيان : هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة ، وهكذا وجهها الى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها ، وانها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة .. سؤالهم (مَتى نَصْرُ اللهِ) ليصور مدى المحنة التي ينبعث منها ذلك السؤال المكروب ، وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة ، عندما تثبت القلوب يجيء النصر من الله (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ).
ان نصر الله مدخر للذين يثبتون حتى النهاية ، الذين يثبتون على البأساء والضراء الذين يصمدون للزلزلة عند ملاقات الابطال في ساحة الجهاد ، عندما ينهزم المنافقون هاربين. بهذا يدخل المؤمنون الجنة مستحقين لها ، جديرين بها ، بعد الجهاد والامتحان والصبر والثبات والتجرد لله وحده والشعور به وحده ، ان الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة ، ويرفعها على ذواتها ، ويطهرها من موبقة الاثم ، وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها الرفعة والكمال ، وكسب للارواح التي تصل بخالقها عن طريق الاستعلاء.
هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الاولى ، وللجماعة المسلمة في كل جيل. هذا هو الطريق : ايمان وجهاد ، ومحنة وابتلاء ، وصبر وثبات ، وتوجه الى الله وحده ثم يجيء النعيم الخالد الذي لا يفنى ولا يزول ولا مثيل له في هذه الحياة.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥))
البيان : يسأل هنا بعض المسلمين عن نوع ما ينفقون ، فجاءهم الجواب يبين لهم صفة من يستحق الانفاق ومن هو اولى من غيره ، وكل