(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) يتصدقون فيؤدون ما أوجب الله تعالى من الحقوق الواجبة ويقرضونه بما لم يوجب عليهم في اعانة المحتاجين والضعفاء. ويعلمون الجاهلين من علمهم.
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤))
ثم بين تعالى صفة المتقين. فقال (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يعني القرآن وما أنزل من قبلك يعني الكتب المتقدمة وبالآخرة يعني البعث والحساب يؤمنون.
عود على بدء
والشأن في اعجاز هذا القرآن المجيد ، هو الشأن في خلق الله جميعا ، وهو مثل صنع الله تعالى في كل شيء وصنع الناس.
ان هذه التربة الارضية مؤلفة من ذرات معلومة الصفات. فاذا أخذ الناس هذه الذرات فقصارى ما يصوغون من ذراتها لبنة أو آنية أو اسطوانة ، أو هيكل أو جهاز كائنا ما كان.
ولكن الله عزوجل المبدع يجعل من تلك الذرات حياة نابضة خافقة ، تنطوي على ذلك السر الالهي المعجز.
وهكذا القرآن فهو حروف وكلمات يصوغ منها البشر كلاما وأوزانا. ويجعل منها الله تعالى قرآنا وفرقانا. والفرق بين صنع البشر وصنع الخالق العظيم من هذه الحروف والكلمات ، هو الفرق ما بين الجسد الخامد ، والروح النابضة. (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ).
ومن أين يكون ريب أو شك ، ودلالة الصدق واليقين كامنة في هذا المطلع. ظاهرة في عجزهم عن صياغة مثله. وها هو (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
الهدى حقيقته ، والهدى طبيعته ، والهدى كيانه ، والهدى ماهيته ، ولكن للذين اتقوا الله فنور قلوبهم فاصبحوا يرون ما لا يرى سواهم.