ويسمعون ما لا يسمع غيرهم. فالتقوى في العقيدة والعمل الصالح هو الذي أهلهم للانتفاع بهذا الكتاب المجيد.
لا بد لمن يريد ان يجد الهدى في القرآن ان يجيء اليه بقلب سليم من الاجرام والعدوان وتطهير القلب من الهوى والشهوات التي تقذره وتمرضه ، وقد تعميه نهائيا كما قال عزوجل :
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها. أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). س ٢٢ آية ٤٦
ان السمة الاولى للمتقين هي الوحدة الشعورية ، الوحدة التي تجمع في نفوسهم بين الايمان بالغيب ، والقيام بالفرائض ، والايمان بالرسل كافة ، واليقين بعد ذلك بالآخرة. هذا هو التكامل الذي يمتاز به المسلم بعقيدته الاسلامية عن فاقدها. وتمتاز به النفس المؤمنة بهذه العقيدة عن الخالية منها.
والايمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الانسان. فيجتاز بها مرتبة الحيوانات وحينئذ يشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل ما يدركه وعيه في عمره القصير المحدود. وان وراء الكون ظاهرة وخافية. وهي أكبر من هذا الكون ، وقد استمد وجوده من وجودها وهي حقيقة الذات الالهية التي لا تدركها ولا تحيط بها العقول.
وعندئذ تصان طاقة الانسان الفكرية المحدودة المجال عن التبدد والتمزق والانشغال بما لم تخلق له وما لم توهب القدرة للاحاطة به عزوجل.
ان الطاقة الفكرية التي وهبها الخالق العظيم لهذا الانسان ، وهبها ليقوم بالخلافة في هذه الارض مدة بقائه فيها. وان تكون غايته الوحيدة تكملة انسانيته وتطهيرها من أقذار هذه الحياة لتصبح صالحة الى دخول الجنة والخلود فيها.