لقد كان الايمان بالغيب هو مفرق الطريق في ارتقاء الانسان عن عالم البهائم السائمة ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان كجماعة الماديين في كل زمان ، يريدون أن يعودوا بالانسان القهقرى الى عالم البهيمة الذي لا وجود فيه لغير المحسوس ويسمون هذا (تقدمية) وهو النكسة التي وقى الله المؤمنين اياها فخصهم بهذه الصفة الرائعة : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ).
فيتجهون بالعبادة لله وحده ، ويرتفعون بهذا عن عبادة العبيد وعبادة المادة والآلة ، ولا يحنون جباههم الا لخالقهم العظيم ورازقهم الكريم ، الذي أوجدهم من العدم ومنحهم ما لا يحصى من النعم. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
فهم يعترفون ابتداء بان المال الذي في أيديهم هو من رزق الله عزوجل ، لا من خلق أنفسهم وقيمة هذا كله تتجلى في تطهير النفس من الشح وتزكيتها بالبر ابتغاء وجه الله لا غير.
(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥))
أي على علم وصواب بما أمرهم ربهم. وهم الناجحون عند الامتحان وكشف الغطاء.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦))
وهنا تجد التقابل تاما بين صورة المتقين ، وصورة الكافرين ، فاذا كان الكتاب بذاته هدى للمتقين ، فان الانذار وعدمه سواء عند الكافرين.
لان النوافذ القلبية مفتوحة عند المتقين ، لانها لم تلوث بالجرائم والفواحش كما هي عند الكافرين قد سدت الجرائم نوافذ قلوبهم فلم يعد ينفعهم بيان أو انذار أو وعيد.
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧))