ان الله هو الذي نصرهم فاذا اتقوا وخافوا ، فليتقوا وليخافوا الله وحده الذي بيده الأخذ والعطاء فالان يعلمهم الله أن مرد الامر كله اليه ، وان الفاعلية كلها منه سبحانه ، وان نزول الملائكة ليس الا بشرى لقلوبهم لتأنس بهذا وتستبشر وتطمئن به ، اما النصر فمنه مباشرة ، ومتعلق بقدره وارادته بلا واسطة ولا سبب ولا وسيلة : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ).
وهكذا يحرص السياق القرآني على رد الامر كله الى الله ، كي لا يعلق بتصور المسلم ما يشوب هذه القاعدة الاصيلة : قاعدة رد الامور جملة الى مشيئة الله عزوجل الطليقة ، وارادته الفاعلة وقدرته المباشرة ، وتنحية الاسباب والوسائل عن أن تكون هي الفاعلة ، وانما هي أداة تحركها المشيئة وتحقق بها ما تريد وجوده أو عدمه ، عطاءه أو حرمانه ، نصره أو خذلانه ، لا غير كن فيكون.
(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، وقد حرص القرآن المجيد على تقرير هذه القاعدة في التصور الاسلامي. وعلى تنقيتها من كل شائبة ، وعلى تنحية الاسباب الظاهرة والوسائل والادوات ، عن أن تكون لها أدنى دخل في الفاعلية التي يريد الله العزيز الحكيم ، لتبقى الصلة المباشرة بين الخالق والمخلوق ، بين القلوب ومالكها ومحركها ، بلا حواجز ولا عوائق ولا وسائل ولا وسائط ، كما هي في عالم الحقيقة.
(إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) س ٢ ١٧ ي
وبمثل هذه التوجيهات المكررة في القرآن المجيد ، المؤكدة بشتى أساليب التوكيد ، استقرت هذه الحقيقة في قلوب المسلمين ، على نحو بديع هادىء عميق مستنير ثابت تزول الجبال ولا يزول.
لقد عرفوا ان الله عزوجل هو الفاعل وحده لما يشاء ، وعرفوا كذلك انهم مأمورون من قبل الله باتخاذ الوسائل والاسباب ـ التي هو