قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥))
البيان : ان هذا السؤال من الذين آمنوا عما أحل لهم ، يصور حالة نفسية لتلك الجماعة المختارة التي سعدت بخطاب الله تعالى لها أول مرة ، ويشي بما خالج نفسية تلك الجماعة. من التحرج والتوقي من كل ما كان في الجاهلية ، خشية أن يكون الاسلام قد حرمه ، وبالحاجة الى السؤال عن كل شيء للتثبت من أن المنهج الجديد يرتضيه ويقره.
والناظر في تاريخ هذه الفترة يلمس ذلك التغيير العميق الذي أحدثه الاسلام في نفس المسلم لقد هزها هزا عنيفا ، فنفض عنها كل رواسب الجاهلية ، لقد أشعر المسلمين الذين التقطهم من سفح الجاهلية ، ليرتفع بهم الى القمة السامقة ، انهم يولدون من جديد ، وينشأون من جديد. كما جعلهم يحسون احساسا عميقا بضخامة النقلة وعظمة الوثبة ، وجزالة النعمة ، وجلالة المرتقى ، فأصبح همهم أن يتكيفوا وفق هذا المنهج الرباني الذي لمسوا بركته عليهم وان يحذروا مخالفته ، وكان التحرج والتوجس من كل ما ألفوه في الجاهلية هو ثمرة هذا الشعور العميق وثمرة تلك الهزة العنيفة ، لذلك راحوا يسألون الرسول ص وآله بعد ما سمعوا آيات التحريم : (ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) ليكونوا على يقين من حله قبل أن يقربوه ، وجاءهم الجواب :
(قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) ، وهو جواب يستحق التأمل الهائل ، انه يلقى في حسهم هذه الحقيقة انهم لم يحرموا طيبا ابدا ، ولم يمنعوا الا عن الخبيث ، وان كل الطيبات لهم حلال. ولم يحرم عليهم الا الخبائث.
والله يذكر المؤمنين بنعمته عليهم في حلية ما امسكته الجوارح