هؤلاء من صفاتهم الخاصة التي نالوا بها هذا الوسام العلوي. انهم يستمعون القول ثم يمحّصون الحقائق من الاباطيل. فتلتقط قلوبهم. أحسنه وتطرد ما عداه. وبذلك تزكوا نفوسهم. وتنشرح صدورهم. وتضييء قلوبهم فيصبحوا يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) فالعقل السليم هو الذي يقود صاحبه الى الخير والصلاح. ويجنبه الشر والفساد. وبها يعرف العاقل من فاقده لا غير.
(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) والخطاب لرسول الله ص وآله. (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) فيا له من مشهد ينعش القلوب المريضة. ويحيي القلوب الميتة. ويجلي العيون الرمداء. هذا المشهد المنعش مقابل المشهد المخيف الذي يعبر عنه (لهم ظلل من نار من فوقهم ومن تحتهم) ذلك وعد الله الذي لا يخلف الميعاد.
ولقد عاش المسلمون الذين تلقوا هذا القرآن اول مرة. عاشوا هذه المشاهد فعلا وواقعا ومن ثم فقد تحولت نفوسهم ذلك التحول. وتكيفت حياتهم على هذه الارض رأسا على عقب.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥))