البيان : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ). ان هذا المخلوق الانساني لينسى نفسه في احيان كثيرة. ينسى انه كائن صغير ضعيف يستمد القوة في كل حركة وسكون من خالقه الذي اخرجه من العدم الى الوجود ولذا يقول المصلي (بحول الله وقوته اقدم واقعد) وانه ليجادل في آيات الله ويكابر وهي ظاهرة ناطقة معبرة للفطرة بلسان الفطرة. وهو يزعم لنفسه وللناس انه انما يناقش لانه لم يقتنع. ويجادل لأنه غير مستيقن. وخالقه العظيم يقرر ان ما يصدر من هذا المخلوق الحقير انما هو الكبر والتطاول على خالقه فسوف يعلم حين تحتويه ملائكة غلاظ شداد ويجسّرونه بسلاسل من نار الى جهنم وبئس المصير.
ولو ادرك او لو تحقق حقيقته في هذا الوجود وخروجه منه بغير اختيار منه لتواضع من كبريائه وأدى الشكر والتمجيد لخالقه وسيده.(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فالاستعاذة بالله في مواجهة الكبر توحي باستبشاعه وشناعته. فالانسان انما يستعذ بالله من الشيء الفظيع القبيح الذي يتوقع شره وأذاه. فهو يوكل أمره لسيده ومولاه (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) والسموات والارض معروضات للانسان يراهما. ويستطيع ان يقيس نفسه اليهما ولكنه حين (يعلم) حقيقة النسبة وحقيقة الاحجام والقوى بينه وبين السموات والارض حينئذ لا بد ان يستصغر نفسه وقواه وهذه الشمس واحدة من نحو مئات الملايين من الشموس في المجرة القريبة منا والتي نحن منها وكلها متناثرة في الفضاء الهائل من حولها تكاد تكون تائهة فيه.
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) فالبصير يرى ويعلم ويعرف قدره وقيمته. ولا يتطاول على مخلوق مثله فضلا عن خالقه العظيم الذي هو مفتقر اليه في استمرار وجوده كما كان مفتقر اليه في اصل وجوده من