ومهما تنوعت الاسباب وتعددت فان منطق الفطرة يبقى يدعو الانسان لتحقيق الحق واتباعه وان ابى صاحبه ذلك لهواه او لارضاء شهواته وغرائزه.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) مصارع الغابرين كثيرة في تاريخ البشرية. وبعضها ما تزال اثارها بارزة وبعضها حفظها التاريخ والقرآن المجيد كثيرا ما يوجه القلوب اليها لما فيها من ادلة على حقائق ثابتة في خط سير البشرية. ولما لها كذلك من أثر في النفس الانسانية عميق عنيف. والقرآن يخاطب الفطرة. بما يعلمه لان منزل القرآن وخالق الفطرة واحد هو الله الذي لا اله سواه. فهو الذي يعلم ما خلق وهو اللطيف الخبير. وهنا يسألهم وينشطهم للسير في الارض بعين مفتوحة وحسّ صحيح وقلب بصير. لينظروا ويتدبروا ما كان في الارض قبلهم يرشدون.
(كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً) توافرت لهم الكثرة والقوة والعمران ومن هؤلاء أجيال وأمم كانت قبل العرب. قص الله على رسوله بعضها ومنهم من كان العرب يعرفون قصته ويمرون بآثاره (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ..
فلم تعصمهم قوة ولا كثرة ولا بروج كانوا يتحصنون بها لقد دمرها أمر الله تدميرا. (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ ..) والعلم ـ بغير ايمان ـ فتنة وضلال. وعمى وطغيان. ذلك ان هذا اللون من العلم الظاهري المادي. يوحي الغرور في جوف حامله. اذ يحسب صاحبه انه يتحكم بعلمه هذا في قوى ضخمة. ويملك مقدرات عظيمة. فيتجاوز بنفسه قدرها ومكانها. وينسى الاماد الهائلة التي يجهلها وهي موجودة في هذا الكون. ولا سلطان له عليها. بل لا احاطة بها. بل لا معرفة له