البيان : الافتتاح بالأحرف المقطعة (الف. لام. ميم) والاخبار عنها بأنها (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) للتنبيه الى ان آيات الكتاب من جنس تلك الأحرف ـ لانه على نحو ما تقدم في السور المبدوءة بالاحرف ـ واختيار وصف الكتاب هنا بالحكمة. لان موضوع الحكمة مكرر في هذه السورة. فناسب ان يختار. هذا الوصف من اوصاف الكتاب في جوه المناسب على طريقة القرآن الكريم. ووصف الكتاب بالحكمة يلقي عليه ظلال الحياة والارادة. فكأنما هو كائن حيّ متصف بالحكمة. في قوله وتوجيهه. قاصدا لما يقول مريد لما يهدف اليه. وانه لكذلك في ضميمه. فيه روح. وفيه حياة. وفيه حركة. وله شخصية ذاتية مميزة وفيه ايناس. وله صحبة يحسّ بها من يعيشون معه ويحيون في بيانه ويشعرون له بحنين. وتجاوب كالتجاوب بين الحي والحي. وبين الصديق والصديق.
هذا الكتاب الحكيم. أو آياته (هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) فهذه حاله الاصيلة الدائمة ان يكون هدى ورحمة. هدى يهديهم الى الطريق الواصل الذي لا يضل سالكوه. ورحمة بما يسكبه الهدى في القلب من راحة وطمأنينة وقرار. وما يقود اليه من كسب وخير وفلاح. وبما يعقده من الصلات. والروابط بين قلوب المهتدين به ثم بين هذه القلوب ونواميس الكون الذي تعيش فيه. وبما يعقده من الصلات والقيم والاحوال والاحداث التي تتعارف عليها القلوب المهتدية. (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ ..) وهؤلاء المحسنون هم الذين يكون الكتاب لهم هدى ورحمة لانهم بما في قلوبهم من تفتح يجدون في صحبة هذا الكتاب راحة وطمأنينة.
اولئك الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم يوقنون بالاخرة (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) اولئك المهتدون بالكتاب وآياته. المقيمون