وكثير من عجائب الجنس البشري مكشوفة للبصر تراه العيون.(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ). وما وراء العيون من عجائبه يشير الى المغيب المكنون. الذي لا يعرفه الا علام الغيوب.
ان القرآن المجيد بمثل هذه اللمسة يخلق الانسان خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث.
وعلى هذا النحو الرفيع من التأمل والادراك يريد القرآن المجيد للناس والايمان وأن يمنح القلب البشري هذا الزاد. وهذا المتاع العلوي (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ).
وهذه أيضا لفتة عجيبة. فمع أن أسباب الرزق الظاهرة في الارض. حيث يكد فيها الانسان ويجهد. وينتظر من ورائها الرزق والنصيب. فان القرآن يرد بصر الانسان ونفسه الى السماء الى الغيب الى الله. ليتطلع هناك الى الرزق المقسوم والخط المرسوم.
والقلب المؤمن يدرك هذه اللفتة على حقيقتها. ويفهمها على وضعها. ويعرف أن المقصود بها ليس هو اهمال الارض واسبابها. فهو مكلف بالخلافة فيها وتعميرها. انما المقصود هو الا تعلق نفسه بها. والا يغفل عن الله في عمارتها ليعمل في الارض وهو يتطلع الى السماء .. وليأخذ بالاسباب وهو يستيقن انها ليست هي التي ترزقه. فرزقه مقدر عند خالقه لا غير. وما وعد الله تعالى لا بد أن يكون. بذلك ينطلق قلبه من اثار الاسباب الظاهرة في الارض بل يتعلق قلبه دائما بما عند خالقه العظيم بشرط هو لا يقصّر في ما أمر مولاه من طلب العمل. وحينئذ يرى في الاسباب آيات تدله على خالق الاسباب. ويعيش موصولا قلبه به دائما. وقدماه ثابتتان في الارض وقلبه في السماء عند خالق السماء والارض.