مع علم الله المحيط بكل شيء في هذا المدى الوسيع المتطاول من صغير وكبير وخاف وظاهر. ومعلوم ومجهول. ثم تتدرج الايات في تنبيه القلوب.
(ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ. وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ. وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا).
انها حقيقة في ذاتها. ولكنها تخرج في صورة لفظية عميقة التأثير صورة تترك القلوب وجلة وترتعش مرة. وتأنس مرة. وهي مأخوذة بمحضر من الله العظيم القدير الغني الكريم. فيالها من أمانة لعباد الله المتقين. ويا له من انس ورفيق (هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ).
انها حالة لا يثبت لها قلب حي. ولا يقوى على مواجهتها الا وهو يرتعش ويهتز خشية الانزلاق وهو محضر مأنوس. نعم ولكنه كذلك جليل رهيب. محضر الله (وهو معهم اينما كانوا).
(ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) وهذه لمسة اخرى ترجف وتزلزل. ان مجرد حضور الله وسماعه امر هائل. فكيف اذا كان لهذا الحضور. والسماع ما بعده. من حساب وعقاب. كيف اذا كان ما يسره المتناجون وينعزلون به ليخفوه. سيعرض على رؤوس الاشهاد يوم القيامة. وينبئهم الله به
(أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) هكذا تستقر حقيقة العلم الالهي في القلوب. بهذه الأساليب المتنوعة في عرضها في الآية الواحدة. الاساليب التي تعمق الحقيقة في القلب البشري. وهي تدخل بها عليه من شتى المسالك والدروب.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) الآية توحي بان خطة رسول الله ص وآله مع المنافقين. في أول الامر كانت هي النصح لهم والاستقامة والاخلاص. ونهيهم عن الدسائس والمؤمرات التي يدبرونها بالاتفاق مع اليهود في المدينة.