ويرفع بهذا مدارك البشر ومقاييسهم. فلا ينعزل شعب أو جيل في حدود الزمان والمكان.
وان للاثار الخاوية لحديثا رهيبا للقلب. والحس المبصر. وان له لرجعة في الاوصال. ورعشة في الضمائر. وهزة في القلوب. ولقد كان العرب المخاطبون بهذه الاية ابتداء. يتمشون في مساكن عاد وثمود. ويرون الآثار الباقية من قرى قوم لوط.
والقرآن المجيد يستنكر عليهم حين ينظرون الى تلك الاثار المثيرة. ثم لا تستجيش قلوبهم ولا تهتز مشاعرهم. ويستثير حساسيتهم خشية الله العظيم الذي فعل بالماضين لما ظلموا وعصوا ما يرون بأعينهم ولا يعتبرون بذلك. كأنهم لم يروا شيئا وكأنهم لا يبصرون ولا يعقلون.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) يسمعون القصص ويرون العبر ويمشون في مساكن الذين انتقم الله تعالى منهم لما ظلموا وطغوا ولا يأخذون الحذر من أن يصيبهم ما أصابهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ. فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً ...)
فهذه الارض الميتة التي لا حياة بها. يرون أن يد الله تسوق اليها الماء المحيي. فاذا هي خضراء تفوح بالنبات والزهور العطرة. والزرع الذي تأكل منه دوابهم ونفوسهم.
ان هذا المشهد ليفتح نوافذ القلب المغلقة ـ لو كان فيه حياة ـ والشعور بحلاوة الحياة احساس حب وقربى وانعطاف. مع الشعور بالقدرة المبدعة. واليد الصانعة المدبرة.
وهكذا يطوق القرآن المجيد بالقلب البشري في مجال الحياة والنماء. بعد ما طوف به في مجالي البلى والدثور. لاستجاشة