ما عجبوا أدنى عجب للخلق الجديد. ولكنهم ضالون لا يهتدون. ومن ثم يعقب على تشهيرهم وتعجيبهم تعقيبا شديدا مرهوبا لائقا بسخافة عقولهم وبطلان قولهم :
(بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ).
وقد يكون المقصود بالعذاب الذي هم فيه عذاب الاخرة. فهو لتحققه كأنهم واقعون فيه. وقوعهم في الضلال البعيد الذي لا يرجى معه اهتداء. وقد يكون هذا تعبيرا عن معنى اخر معنى ان الذين لا يؤمنون بالاخرة يعيشون في عذاب كمن يعيشون في ضلال. وهي حقيقة عميقة. فالذي يعيش بلا حقيقة في الاخرة يعيش في عذاب نفسي. لا أمل له ولا رجاء في نفسه ولا عدل ولا جزاء ولا عوض عما يلقاه في الحياة. وفي الحياة مواقف وابتلاءات لا يقوى الانسان على مواجهتها الا في نفسه رجاء الاخرة. وثوابها للمحسن وعقابها للمسيء
ان الاعتقاد بالاخرة رحمة ونعمة يهبهما الله لمن يستحقهما من عباده باخلاص القلب وتحري الحق. والرغبة في الهدى. والارجح ان هذا هو الذي تشير اليه الاية :
(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ .. إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ..) انه مشهد كوني عنيف. منتزع في الوقت ذاته من مشاهداتهم. أو من مداركهم المشهودة على كل حال. فخسف الارض يقع ويشهده الناس وترويه الاخبار وسقوط قطع من السماء يقع كذلك عند سقوط الشهب وحدوث الصواعق. ويمكن ان يقع بهم من هذه الارض الساعة ومن هذه السماء التي يجدونها من بين أيديهم ومن خلفهم وهي محيطة بهم. وليست بعيدة عنهم بعد الساعة المغيبة في علم الله عزوجل.