مداها عام لجميع المؤمنين الذين يعملون الصالحات كما هو المتبادر. فكل خطاب مثل هذا الخطاب في القرآن هو عام شامل لكل المسلمين في كل ظرف على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال : إن الآية الأولى ـ وهي تعد المؤمنين الصالحين من لدن عهد النبي صلىاللهعليهوسلم بالاستخلاف في الأرض ـ تنطوي على تقرير أن ذلك يكون في نطاق دولة ذات سلطان. وبمعنى آخر قد انطوى فيها فكرة قيام الدولة في الإسلام. مع التنبيه على أن هذا كان أمرا متحققا برئاسة النبي صلىاللهعليهوسلم. ومما انطوى في الآيات الكثيرة المكية والمدنية التي أمرت بإطاعة الله والرسول وأولي الأمر من المسلمين ورد الأمور إليهم ، ووطدت سلطان النبي صلىاللهعليهوسلم القضائي والسياسي والجهادي والتشريعي واحتوت فكرة الجهاد والدفاع وضمان حرية الدعوة وحماية المسلمين ودينهم والشورى ومسالمة المسالمين وعقد المواثيق بدون حرب أو بعد حرب وأخذ الجزية وإقامة الحدود وتنظيم شؤون الأسرة وتخصيص الزكاة والفيء وخمس الغنائم لبيت مال المسلمين ليتولى ولي أمرهم إنفاقها على مصالح المسلمين العامة والطبقات المعوزة إلخ إلخ مما مرّ كثير منه ونبهنا عليه في سياق شرحه. ويضاف إليه الأحاديث النبوية الصحيحة والكثيرة جدا في كل شأن من هذه الشؤون التي أوردنا كثيرا منها في المناسبات السابقة.
ويحسن أن نقف عند تعبير (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لنقول : إن عمل الصالحات الذي هو من شروط تحقيق البشرى والوعد الربانيين يشمل كما قلنا في المناسبات السابقة كل أنواع الخير والبرّ والواجب تعبديّا كان أم غير تعبدي من عبادة الله وحده وإسلام النفس إليه والإحسان والبرّ بالمحتاجين والرحمة بالضعفاء والجهاد في سبيل الله ومكافحة الظلم والظالمين والتضحية بالنفس والمال في ذلك والتزام الحق والعدل والإنصاف والصدق والأمانة والتعاون على البرّ والتقوى والتواصي بالحق والصبر والرحمة والأعمال العامة التي فيها مصلحة المسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكسب الحلال وقيام المرء بواجباته نحو أسرته وبني ملّته وقومه ومعاملة الناس بالحسنى.