مقدمتهم الخليفة بذلك ومنها تراجع الخليفة عن وصية وصاها حينما نبهته المرأة إلى احتمال مخالفة الوصية للتلقين القرآني.
والمتبادر أن إيعاز عمر كان اجتهادا منه فيه مصلحة للمسلمين. وهناك حديث رواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم جاء فيه «إن من خير النساء أيسرهن صداقا» (١) وحديث ثان رواه أحمد والحاكم والبيهقي جاء فيه «إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها» (٢) ومن المحتمل أن يكون عمر قد استأنس بهذه الأحاديث وأمثالها في إيعازه.
وفي سورة النور آية تنطوي على تلقين قوي بوجوب تيسير الزواج لكل فئة وبخاصة للفقراء مما لا يتيسر إلّا بعدم المغالاة في المهور وهي (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)).
وحتى على فرض صحة رواية احتجاج المرأة على عمر وتراجعه عن إيعازه فإنه ليس في الآية ما يصح الاستدلال به على أن المبلغ الكبير الذي عنته بلفظ القنطار هو المهر فقط حيث يمكن أن يكون مجموعة عطايا من الزوج. وعبارتها تهدف إلى حماية المرأة وعدم ابتزاز ما صار حقها الشرعي من مال أعطاه لها زوجها فيه المهر وغير المهر مهما كثر. ويظل تلقين آية سورة النور والأحاديث النبوية وإيعاز عمر واردا واجب الاحترام بل ومخولا للحكام الإشراف على مقادير المهور ومنع المغالاة فيها في كثير من الظروف التي لا يكون أكثر الناس فيها قادرين على دفع مهور عالية حيث يؤدي هذا إلى تعسير الزواج وتزايد الأيامى ـ أي العزاب ـ من رجال ونساء وعبيد وإماء ، وبعبارة أخرى إلى تعطيل أمر الله الوارد في آية سورة النور أما القادرون فالذي يتبادر لنا أنه ليس في التلقين المشار إليه ما يحول دون زيادة المهر بينهم عن المقدار المحدد في الروايات المروية. ولعل حكمة عدم
__________________
(١) انظر تفسير الآية في تفسير المنار.
(٢) المصدر نفسه.