ذكر بعضهم أنّ حوّاء هي التي كانت دلّت الشيطان على ما كان نهي عنه آدم في الجنّة.
ذكر الحسن عن النبيّ عليهالسلام أنّ آدم كان رجلا طويلا كأنّه نخلة سحوق ، جعد الشعر. فلمّا وقع بما وقع بدت له عورته ، وكان لا يراها قبل ذلك ، فانطلق هاربا ، فأخذت شجرة من الجنّة برأسه ، فقال لها : أرسليني. فقالت : لست بمرسلتك. فناداه ربّه : يا آدم ، أمنّي تفرّ؟ فقال : ربّ إنّي استحييتك (١).
قوله : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) : يعني آدم معه حوّاء وإبليس ، والحيّة التي دخل فيها إبليس لا تقدر على ابن آدم في موضع إلّا لدغته (٢) ، ولا يقدر عليها في موضع إلّا شدخها. وقال في آية أخرى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) [الكهف : ٥٠] قال بعضهم : من قتل حيّة فقد قتل كافرا.
قوله : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٣٦) : المستقرّ من يوم يولد إلى يوم يموت. وهو مثل قوله : (فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ) [الأعراف : ٢٥] ويعني بالمتاع معايشهم في الدنيا ، يستمتعون بها. وقوله : (إِلى حِينٍ) ، يعني الموت.
قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) : وعلى حوّاء. ذكروا عن ابن عبّاس قال : هو قولهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣) [الأعراف : ٢٣]. وبعضهم يقول : قال آدم : يا ربّ أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال : أرجعك إلى الجنّة.
قوله : (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) : قد فسّرناه في الآية الأولى. قال : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) : والهدى في هذا الموضع هو الرسل (٣) وهو حجّة الله عليهم في الآخرة حيث يقول : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي)
__________________
(١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج ١٢ ص ٣٥٢ عن أبيّ بن كعب مرفوعا. وروى هذا الخبر ابن كثير في تفسيره ج ٣ ص ١٥٣ ـ ١٥٤ موقوفا وقال : «وقد رواه ابن جرير وابن مردويه من طرق ، عن الحسن عن أبيّ بن كعب عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم مرفوعا ، والموقوف أصحّ إسنادا».
(٢) في ق وع ود : «إلّا قتلته» ، والصواب ما أثبتّه من ز : «لدغته».
(٣) قال يحيى بن سلّام في كتابه التصاريف ص ١٠٠ : «هدى ، يعني رسلا وكتبا ، وذلك قوله في البقرة : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) ، يعني رسلا وكتبا (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) يعني فمن تبع رسلي وكتبي».