قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) : قال بعضهم : المحكم هو الناسخ الذي يعمل به ، فأحلّ الله فيه حلاله وحرّم وحرامه ، والمتشابه هو المنسوخ الذي لا يعمل به ويؤمن به. وتفسير الكلبيّ : هو (الم) ، و (الر) ، و (المر) ، و (المص) ، وأشباه ذلك.
وبلغنا عن أبي حازم عن ابن عبّاس قال : هو التقديم والتأخير ، والمقطوع والموصول ، والخاصّ والعامّ ، وتفسير مجاهد : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) ، يعني ما فيه من الحلال والحرام ، وما سوى ذلك فهو المتشابه.
قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) : والزيغ : الشكّ. وتفسير الكلبيّ أنّها في النفر من اليهود الذين دخلوا على النبيّ عليهالسلام : كعب بن الأشرف وأصحابه. وقد فسّرنا ذلك في سورة البقرة (١).
ذكروا عن عائشة أنّها قالت : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية فقال : قد سمّاهم الله لكم ؛ فإذا رأيتموهم فاحذروهم. ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية فقال : أرأيتم الذين يجادلون فيه ، فهم الذين سمّى الله ؛ فإذا رأيتموهم فلا تجالسوهم ، أو قال : فاحذروهم (٢).
قوله : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) : كان الكلبيّ يقول : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) أى : ابتغاء الشرك (٣) يعني أولئك اليهود. وقال الحسن : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) أى : ابتغاء الضلالة ، (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) أى ابتغاء الحرابة (٤). وقال الكلبيّ : هو ما نظر فيه أولئك اليهود من (الم) وأشباه ذلك ، وكانوا
__________________
(١) انظر ما سلف من هذا الجزء ، تفسير الآية الأولى من سورة البقرة.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ؛ أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، سورة آل عمران من طريق ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمّد عن عائشة. وأخرجه الطبريّ في تفسيره ج ٦ ص ١٨٩ ـ ١٩٥ بأحد عشر سندا كلّها من طريق ابن أبي مليكة ، وليس في أى منها ذكر لابن عبّاس عن عائشة ، أو عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم مباشرة كما هو مرويّ هنا. أما يحيى بن سلّام فأخرجه بهذا السند : «يحيى عن الحارث بن نبهان عن أيّوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عبّاس» كما في ز ، ورقة ٤٢.
(٣) لم يرتض الطبريّ هذا التأويل ، وردّ عليه في تفسيره ج ٦ ص ١٩٧ فقال : «معناه : إرادة الشبهات واللبس».
(٤) كذا في ق وع ود : «الحرابة». ولم أفهم للحرابة هنا معنى ، ولعلّها تصحيف لكلمة لم أهتد إليها. وللفظ ـ