حملوه على حساب الجمّل ، حساب بقاء هذه الأمّة ـ زعموا ـ حين التبس عليهم ، قال : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) أى : تأويل ما كتب الله لهذه الأمّة من الأكل ، (إِلَّا اللهُ) ، فقال عند ذلك عبد الله بن سلام والنفر الذين أسلموا من اليهود ، وهم الراسخون في العلم : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا). هذا تفسير الكلبيّ.
وبلغنا عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال : أنزل القرآن على أربعة أوجه : حلال وحرام لا يسع الناس جهله ، وتفسير يعلمه العلماء ، وعربيّة يعرفها العرب ، وتأويل لا يعلمه إلّا الله ، يقول الراسخون في العلم : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا). ذكر بعض المفسّرين قال : نزل القرآن على ستّ آيات : آية مبشّرة ، وآية منذرة ، وآية فريضة ، وآية تأمرك ، وآية تنهاك ، وآية قصص وأخبار (١).
قوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٧) : أى أولو العقول ، وهم المؤمنون.
قوله : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٨) : قال الحسن : هذا دعاء أمر الله المؤمنين أن يدعوا به. وقال الكلبيّ : هم النفر الذين أسلموا من اليهود : عبد الله بن سلام وأصحابه. وقد فسّرناه في الآية الأولى من تفسير الكلبيّ.
قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) : ذكروا عن ابن مسعود أنّه قال :
__________________
ـ التأويل هنا معنيان ذكر هما المفسّرون ، فالتأويل يكون بمعنى التفسير ، ويكون بمعنى العاقبة المنتظرة ، وما يؤول إليه الشيء.
(١) جمهور الأمّة ، ومنهم الإباضيّة ، يقفون عند لفظ الجلالة من قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) جملة مستأنفة. روى عن أبي الشعثاء جابر بن زيد وعن أبي نهيك الأسديّ أنّهما قالا : إنّكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ ، إِلَّا اللهُ ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ؛ فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا. انظر السيوطي ، الدر المنثور ج ٢ ص ٦ ، وانظر تلخيصا مهمّا أورده القرطبيّ في الموضوع في تفسيره ، ج ٤ ص ١٦ ، واقرأ كذلك ملخّص رسالة قيّمة لشيخ الإسلام تقيّ الدين ابن تيمية أوردها الشيخ محمّد جمال الدين القاسميّ في تفسيره : محاسن التأويل ج ٤ ص ٨ ـ ٥٣. واقرأ كذلك كلاما نفيسا لأبي المعالي الجويني وذكره ابن القيّم في كتابه : إعلام الموقّعين ، ج ٤ ص ٣١١ ، وتحقيقا عاليا مفيدا للإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير ، ج ٣ ، ص ١٦٣ ـ ١٦٩.