حِسابٍ) (٣٧).
قال الله : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) : [أي تقيّة] (١) (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٨) : فاستجاب الله له (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) : أى في المسجد. فبينما هو قائم يصلّي إذا هو برجل قائم ، عليه ثياب بيض ، قائم مقابله ، وهو جبريل عليهالسلام ؛ فناداه وهو قائم يصلّي في المحراب : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) : والكلمة عيسى عليهالسلام.
قوله : (يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) قال بعض المفسّرين : أحياه الله بالإيمان. (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) يعني عيسى على سنّته ومنهاجه.
قال : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٣٩) : قال بعض المفسّرين : السيّد الحسن الخلق ، والحصور الذي لا يأتي النساء ، يقول : حصر عنهنّ فلا يستطيعهنّ (٢). وقال بعضهم : سيّد بالعبادة والحلم والورع. والحصور الذي لا يأتي النساء. وقال مجاهد : السيّد هو الكريم على الله.
(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ) : أى كيف يكون (لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) : أى لا تلد. قال الحسن : أراد أن يعلم كيف وهب ذلك له وهو كبير ، وامرأته كبيرة عاقر. وإنّما ذلك بمنزلة قول إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [البقرة : ٢٦٠]. أراد أن يزداد علما.
(قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) : أى : إلا إيماء. فعوقب ، فأخذ عليه بلسانه في تفسير الحسن. وقال غيره : فجعل لا يفيض الكلام إلّا ما أومأ إيماء.
وقال بعضهم : إنّما عوقب لأنّ الملائكة شافهته مشافهة ، فبشّرته بيحيى مشافهة ، فسأل الآية بعد ما شافهته الملائكة. فقال الله : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) أى إلّا إيماء. قال مجاهد : بالشفتين. وقال الكلبيّ : بالشفتين والحاجبين واليدين.
__________________
(١) زيادة من ز ورقة ٤٥.
(٢) الصحيح الذي عليه المحقّقون من المفسّرين أنّه لا يأتي النساء تعفّفا لا عجزا ، وقيل : «إنّه يحصر نفسه عن الشهوات». وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ج ١ ص ٩٢ : «والحصور أيضا : الذي لا يخرج سرّا أبدا».