لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) ، فقالوا : ما نرى الذي تصنع إلّا سحرا ، فأرنا آية نعلم أنّك صادق. قال : أرأيتم إن أخبرتكم بما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا ، وما ادّخرتم من الليل ، أتعلمون أنّي صادق؟ قالوا : نعم ، فأخذ يقول للرجل : أكلت كذا وكذا ، وشربت كذا وكذا ، ورفعت كذا وكذا ؛ فمنهم من يقبل ويؤمن ، ومنهم من ينكر. وقال مجاهد : وأنبّئكم بما أكلتم البارحة ، وبما خبّأتم في بيوتكم.
وقال : بعضهم : كان القوم لّما سألوا المائدة وكانت خوانا ينزل عليهم أينما كانوا ثمرا من ثمار الجنّة ، فأمروا أن لا يخونوا منه ولا يخبّئوا ولا يدّخروا لغد ؛ فكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك أنباهم عيسى بما صنعوا.
قوله : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) : قال بعض المفسّرين : كان الذي جاء به عيسى أيسر (١) ممّا جاء به موسى ؛ أحلّت لهم في الإنجيل أشياء كانت عليهم في التوراة حراما. كان حرّم عليهم لحوم الإبل والثّروب (٢) ، فأحلها لهم عيسى ، ومن السمك ما لا حرشفة (٣) له ، ومن الطير ما لا صيصة (٤) له ، في أشياء حرّمها الله عليهم ، فجاء عيسى بتخفيف منه في الإنجيل.
قال : (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٥١) : أى : هذا طريق مستقيم إلى الجنّة ، وهو دين الإسلام.
قوله : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) : قال الحسن : لّما علم أنّهم قد أجمعوا على قتله (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) : [أي : مع الله] (٥) (قالَ الْحَوارِيُّونَ) : وهم أنصاره. وقال بعضهم : الحواريّون أصفياء الأنبياء. (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٥٢) : فقاتلوهم فأظهره الله عليهم فأصبحوا ظاهرين. (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ
__________________
(١) كذا في ق وع ود : «أيسر» ، وفي ز ورقة ٤٥ : «ألين».
(٢) الثّروب : جمع ثرب ، وهو الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش والأمعاء.
(٣) الحرشف : صغار كلّ شيء ، وحراشف السمك فلوس السمك ، وهو ما على ظهرها ، انظر : اللسان : (حرشف).
(٤) الصيصة والصيصية : الشوكة التي تكون في أرجل بعض الطيور كصيصة الديك.
(٥) أثبتّ هذه العبارة في هذا المكان كما جاءت في ز. وقد جاءت في ق وع ود في آخر الآية.