مشركي العرب ، قالوا : إنّما كانت لهم هذه الحقوق وتجب لنا ، وهم على دينهم ، فلما تحوّلوا عن دينهم الذي بايعناهم عليه لم يثبت لهم علينا حقّ. وقال : بعضهم : قالت اليهود : ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل ، أى : إثم. قال الله : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) : أى يقولون لأصحابهم هذا كذبا على الله (١). (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٧٥) : أنّهم كاذبون.
قوله : (بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى) : قال الكلبيّ : يقول : من كان [وفيّا بعهده] (٢) فأدّوا إليه الأمانة. وقال الحسن : بلى من أدّى الأمانة وآمن (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٧٦).
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) : هم أهل الكتاب ، كتبوا كتبا بأيديهم ، وقالوا : هذا من عند الله ، فاشتروا به ثمنا قليلا ، أى : عرضا من الدنيا يسيرا ، وحلفوا لهم أنّه من عند الله. وكان ما ادّعوا من قولهم : ليس علينا في الأمّييّن سبيل ما اشتروا به من عند الله وأيمانهم ثمنا قليلا. ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها مال أخيه المسلم لقي الله وهو عليه غضبان (٣). قال عمر : إنّ ذلك لفي كتاب الله : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ...) إلى آخر الآية. ذكروا عن الحسن أنّه قال : ذكرت الكبائر عند النبيّ عليهالسلام فقال : فأين تجعلون اليمين الغموس؟ (٤).
ذكروا عن ابن عبّاس أنّه قال : إذا رأيتم الرجل يريد أن يحلف في يمين وجبت عليه ، فاقرأوا عليه هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ...) إلى آخر الآية.
__________________
(١) في ق وع : «أي لأصحابهم هذا كذب». وفي د : «أي أصحابهم هذا كذب». وكلتا العبارتين خطأ صوابهما ما أثبتّه ؛ ومعناه : يقول اليهود لأصحابهم هذا القول : (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ،) يقولونه كذبا على الله ؛ فأكذبهم الله وأخبر بقيلهم هذا.
(٢) زيادة يقتضيها السياق ، وفي ق وع ود : «من كان فأدوا إليه الأمانة».
(٣) حديث متّفق على صحّته ، أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور ، وفي كتاب التفسير ، باب قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ...) عن عبد الله بن مسعود ، وذكر سبب ورود الحديث في قصّة الأشعث بن قيس.
(٤) ترجمه البخاري في كتاب الأيمان والنذور ، باب اليمين الغموس ، وفيه عن عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس». وإنّما سمّيت غموسا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النار. وورد في بعض الأحاديث : اليمين الغموس تدع الديار بلاقع.