(وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) : وكان جابر بن زيد إذا قرأ هذه الآية : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) قال : لا أحد يغفرها غيرك يا الله.
ذكروا عن أبي موسى الأشعريّ قال : جلست إلى رجل من المهاجرين فسمعته يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أيّها الناس ، استغفروا الله وتوبوا إليه ، إنّي لأستغفر الله كلّ يوم مائة مرّة (١). ذكر بعض السلف قال : ما جاور عبدا في قبره خير له من الاستغفار.
قوله : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) : أى من المعصية (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٣٥) : ذكروا عن ابن عبّاس قال : كلّ ذنب أقام عليه العبد حتّى يموت فهو كبيرة ، وكلّ ذنب تاب منه العبد قبل أن يموت فليس بكبيرة. وقال بعضهم : كان يقال : لا قليل مع الإصرار ، ولا كثير (٢) مع الاستغفار (٣).
قوله : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : قد فسّرناه قبل هذا الموضع. (خالِدِينَ فِيها) : أى لا يموتون ولا يخرجون منها (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (١٣٦) : أى الجنّة.
قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) : يعني ما عذّب الله به الأمم السالفة حين كذّبوا رسلهم. وقال في آية أخرى : (سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) [غافر : ٨٥] والتي قد خلت من قبل في الكفّار أنّهم إذا كذّبوا رسلهم أهلكهم الله.
قال : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (١٣٧) : كان عاقبتهم أن دمّر الله عليهم ، ثمّ صيّرهم إلى النار ؛ يحذّرهم ذلك.
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات ، باب استغفار النبي صلىاللهعليهوسلم في اليوم والليلة ، عن أبي هريرة ، ولفظه : «والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة». ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه (٢٧٠٢) عن الأغرّ المزني بلفظ : «إنّه ليغان على قلبي ، وإنّي لأستغفر الله في اليوم مائة مرّة».
(٢) كذا في ق وع : «ولا كثير» وهو أصحّ ، وفي د : «ولا كبير» ، وله وجه ، وفي ز : جاءت العبارة بتنكير إصرار واستغفار.
(٣) يؤيّده ما رواه أبو بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرّة». رواه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب في الاستغفار (١٥١٤).