قوله : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) : قال بعضهم : هذا القرآن بيان للناس عامّة (وَهُدىً) : يهديهم الله به (وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (١٣٨) : أى : خصّهم الله به (١).
قوله : (وَلا تَهِنُوا) : أى لا تضعفوا عن قتال المشركين (وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ): أي وأنتم الظاهرون عليهم والمنصورون. إنهم لمّا انكشفوا يوم أحد ، فصعدوا الجبل علاهم خالد بن الوليد من فوق الجبل ، وجاءهم أبو سفيان ، فقال الله : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٣٩).
وأمر رسول الله أصحابه بطلب القوم ، فكرهوا ذلك وشكوا إليه الجراح ، فأنزل الله : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) : أديل المؤمنون يوم بدر عليهم ، فقتلوا سبعين وأسروا سبعين ، وأديل المشركون عليهم يوم أحد ، فقتلوا سبعين من أصحاب النبيّ وجرحوا سبعين.
قال : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : أى : ليعلم الله من يطيعه ممّن يعصيه ، وهذا علم الفعال. (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (١٤٠) : أى المشركين. قال الحسن : فيها تقديم ؛ يقول : ولا تهنوا ولا تحزنوا إن كنتم مؤمنين وأنتم الأعلون. وقال : قد مسّ القوم قرح مثله يوم بدر. والقرح الجراح.
وقال مجاهد : جراح وقتل. وقال بعضهم : القرح الجراح ، وذلك يوم أحد ، وقد فشا في أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ القتل والجراحات ، فأخبرهم الله أنّ القوم أصابهم من ذلك مثل ما أصابكم ، [وأنّ الذي أصابكم] (٢) عقوبة (٣) ، قال : وتفسير تلك العقوبة بعد هذا الموضع.
قوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) قال : لولا أنّ الله جعلها دولا بين الناس ما أوذي المؤمنون ، ولكن قد يدال الكافر من المؤمن ، ويدال المؤمن من الكافر.
__________________
(١) هو قول لقتادة ، رواه الطبريّ في تفسيره ، ج ٧ ص ٢٣٢ جاء فيه : «وهو هذا القرآن جعله الله بيانا للناس عامّة ، وهدى وموعظة للمتّقين خصوصا».
(٢) زيادة سقطت من المخطوطات الثلاث ، أثبتها من ز ، ورقة : ٥٢ ، ليستقيم المعنى.
(٣) أي عقوبة للمسلمين لمعصية الرماة ؛ أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلزوم أماكنهم على الجبل ، وسيأتي تفصيل ذلك بعد صفحتين أو ثلاث.