قوله : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) : أى إذ تقتلونهم بإذنه في تفسير الحسن ومجاهد وغيره. (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) : قال بعضهم : جبنتم (وَتَنازَعْتُمْ) : أى اختلفتم (فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) : ذلك يوم أحد ؛ عهد إليهم نبيّ الله عهدا ، وأمرهم بأمر ، فنسوا العهد. يعني قول النبيّ لهم : فإن هزمتموهم فلا تتبعوا المدبرين.
وقال بعضهم : خالفوا إلى غير ما أمرهم به فصرف عنهم عدوّهم بعد ما أراهم ما يحبّون فيهم.
وقال مجاهد : نصر الله المؤمنين يومئذ على عدوّهم من المشركين حتّى ركب نساء المشركين على كلّ صعب وذلول ، بادية سوقهنّ ، ثمّ أديل عليهم المشركون بمعصيتهم النبيّ حتّى خطبهم على بغلته الشهباء وقال : ربّ اكفنيهم بما شئت.
قوله : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ ...) الآية ، قال الحسن : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : رأيت البارحة كأنّ عليّ درعا حصينة فأوّلتها المدينة ، فاكمنوا للمشركين في أزقّتها حتّى يدخلوا عليكم في أزقّتها فتقتلوهم. فأبت الأنصار من ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ، منعنا مدينتنا من تبّع والجنود ، فنخلّي بين هؤلاء المشركين وبينها يدخلونها!. فلبس رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلاحه. فلمّا خرجوا من عنده أقبل بعضهم على بعض فقالوا : ما صنعنا؟ أشار علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرددنا رأيه. فأتوه فقالوا : يا رسول الله ، نحن نكمن لهم في أزقّتها حتّى يدخلوها فنقتلهم فيها ؛ فقال : إنّه ليس لنبيّ لبس لامته ـ أى سلاحه ـ أن يضعها حتّى يقاتل. قال : فبات رسول الله دونهم بليلة ، فرأى رؤيا ، فأصبح فقال : إنّي رأيت البارحة كأنّ بقرا منحّرا ، فقلت : بقر والله خير ؛ وإنّها كائنة فيكم مصيبة ، وإنّكم ستلقونهم غدا وتهزمونهم ، فإذا هزمتموهم فلا تتبعوا المدبرين (١). ففعلوا ؛ فلقوهم فهزموهم كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فاتّبعوهم على وجهين ؛ أمّا بعضهم فقالوا : مشركون وقد أمكننا الله من أدبارهم فنقتلهم ، فقتلوهم على وجه الحسبة. وأمّا بعضهم فقتلوهم لطلب الغنيمة. فرجع
__________________
(١) رؤيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم رواها أصحاب السير والمغازي بألفاظ متقاربة ؛ انظر ابن هشام ، السيرة ، ج ٣ ص ٦٢ ـ ٦٣ ، وتفسير الطبري ، ج ٧ ص ١٦٣ ، ومغازي الواقدي ، ج ١ ص ٢٠٨. واقرأ نصّ الرؤيا وتأويل الرسول إيّاها في مغازي الواقدي ، ج ١ ص ٢٠٩ ، منها : «ورأيت كأنّ سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته ، ورأيت بقرا تذبح ...».