المشركون عليهم فهزموهم حتّى صعدوا أحدا. وهي قوله : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّكم ستلقونهم فتهزمونهم فلا تتبعوا المدبرين. قال : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) أى : ضعفتم في أمر رسول الله ، (وَتَنازَعْتُمْ) أى : اختلفتم فصرتم فريقين تقاتلونهم على وجهين ، وعصيتم الرسول (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) من النصر على عدوّكم.
قال : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) : قد فسّرناه قبل هذا ونرجع فيه ؛ يقول : من يريد الدنيا فهي الغنيمة. (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) الجنّة والثواب (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) : إذ لم يستأصلكم (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) * إِذْ تُصْعِدُونَ) : الجبل. أى أحدا (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) : جعل يقول : إليّ عباد الله! حتّى خصّ الأنصار فقال : يا أنصار الله! إليّ ، أنا رسول الله!. فتراجعت الأنصار والمؤمنون (١). قال : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) بما قتلوا من إخوانكم من فوق الجبل بالغمّ الذي أصابهم يوم بدر. قال الكلبيّ : هو إشراف خالد بن الوليد عليهم من فوق الجبل. وقال بعضهم : (إِذْ تُصْعِدُونَ) : صعدوا في الوادي فرأوا نبيّ الله يدعوهم : إليّ عباد الله! إليّ عباد الله! [كانوا تحدّثوا يومئذ أنّ نبيّ الله أصيب] (٢). وكان الهمّ الآخر قتل أصحابهم والجراحات التي فيهم. قال : وذكر لنا أنّه قتل يومئذ سبعون رجلا : ستّة وستّون من الأنصار ، وأربعة من المهاجرين (٣). قوله : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) من الغنيمة (وَلا ما أَصابَكُمْ) من قتل إخوانكم ، إنّما همّ كلّ رجل منكم بقتله (٤) في تفسير الحسن. وقال غيره :
__________________
(١) روى الواقديّ عن محمّد بن مسلمة يقول : «سمعت أذناي وأبصرت عيناي رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول يومئذ ، وقد انكشف الناس إلى الجبل ، وهم لا يلوون عليه ، وإنّه ليقول : إليّ يا فلان ، إليّ يا فلان ، أنا رسول الله! ، فما عرّج منهما واحد عليه ومضيا». ولم أجد فيما بين يديّ من مصادر التفسير والسير هذه الزيادة التي خصّ بها الأنصار كما وردت هنا ، وهي ممّا انفرد بها هذا التفسير فيما أرى ، وإنّهم لأحقّ بها وأهلها ؛ فقد روى البخاري عن قتادة قال : «ما نعلم حيّا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعزّ يوم القيامة من الأنصار». وهذه إحدى مناقبهم التي لا تحصى.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٥٤.
(٣) هؤلاء المهاجرون الأربعة هم : حمزة بن عبد المطّلب ، من بني هاشم ، وعبد الله بن جحش ، من بني أميّة ، ومصعب بن عمير ، من بني عبد الدار ، وشمّاس بن عثمان ، من بني مخزوم.
(٤) في ع : «بقبله» ، وفي و : «يقبله» ، وفي د : «بقتله» ، وهذه الأخيرة أصحّ.