عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (١٥٥). وقال بعضهم : كان أناس من أصحاب النبيّ عليهالسلام تولّوا عن القتال وعن النبيّ يوم أحد ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه ، فأنزل الله : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (١٥٥).
وقال الكلبيّ : لّما أصاب رسول الله المشركين يوم أحد جعل الرماة خمسين ، فأمّر عليهم رجلا من الأنصار ، وجعلهم قبل خيل المشركين ، وأمرهم أن لا يريموا مكانهم ؛ وقال : إن الخيل تحرّكت فارموا برشق من النّبل ، واستنفدوا (١) النبل. فلمّا هزم الله المشركين ودخل المؤمنون عسكرهم رأتهم الرماة ، وهم يأخذون الأسلاب ، قالوا : أدركوا الغنيمة لا يسبقكم بها الناس. وقالت طائفة منهم : بل نثبت مكاننا. فرجعت طائفة وثبتت طائفة. فحملت الخيل على من ثبت منهم فقتلوهم ، ثمّ دخلوا العسكر ، وقتلوا من وجدوا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسلبوهم.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) : يعني التجارة (أَوْ كانُوا غُزًّى) : يعني في الغزو (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) : قال مجاهد : هو ابن أبيّ بن سلول. وقال الحسن : هؤلاء المنافقون وقالوا لإخوانهم ، يعني إخوانهم فيما يظهر المنافقون من الإيمان ، يزعمون أنّهم إخوانهم. قوله : (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) قالوا هذا لأنّه لا نية لهم في الجهاد (٢).
قال الله : (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) : كقوله : (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [التوبة : ٥٤ ـ ٥٥] ، وذلك أنّهم كانوا يجاهدون قوما كانوا يوادّونهم (٣) لكفرهم ، فذلك عليهم عذاب وحسرة. (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١٥٦).
قال الله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ) : والمغفرة من الله مغفرة الذنوب ، والرحمة : الجنّة. (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (١٥٧) : من الدنيا. (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ
__________________
(١) وردت هذه الكلمة غير واضحة في المخطوطات ؛ أما في ق ففيها : «استفقوا» ، وفي ع : «استقفوا» ، وفي د بياض ، ورجّحت أن تكون : «استنفدوا». ووردت العبارة في مغازي الواقدي ، ج ١ ص ٢٢٥ هكذا : «وارشقوا خيلهم بالنبل ، فانّ الخيل لا تقدم على النبل».
(٢) جاءت هذه العبارات مضطربة بتقديم وتأخير في ق ، وع ، ود ، فأثبتّ تصويبها من ز ، ورقة ٥٤.
(٣) في ق وع ود : «يودونهم» ولعلّ ما أثبتّ أصحّ.