وذكر بعضهم قال : أمره الله أن يشاور أصحابه في الأمر وهو يأتيه الوحي من السماء ، لأنّه أطيب لأنفس القوم. وإنّ القوم إذا شاور بعضهم بعضا ، فأرادوا بذلك وجه الله ، عزم الله لهم على الرشاد.
وبعضهم قال : ما اجتمع قوم يتشاورون في أمر ، فعلم الله أنّهم يريدون الخير ، إلّا وفّقوا لأرشد أمرهم.
وذكر بعضهم أنّ سعدا لم يحكم في قريظة ، ولكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أرسل إليه فجاء على حمار ، فقال له رسول الله : أشر عليّ فيهم ، فقال : قد عرفت أنّ الله أمرك فيهم بأمر أنت صانع ما أمرك به. فقال : أشر عليّ فيهم. فقال : لو ولّيت أمرهم لقتلت مقاتلهم ، وسبيت ذرّيتّهم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والذي نفسي بيده لقد أشرت بالذي أمرني الله به (١).
قال : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (١٥٩) : قال بعضهم : أمره الله إذا عزم على أمر أن يمضي فيه [ويستقيم على أمر الله] (٢) ويتوكّل على الله.
قوله : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) : أى من ينصره الله فلا غالب له. (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) : أى من خذله الله فلا ناصر له.
(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٦٠) : ولقد أعلم الله رسوله والمؤمنين أنّهم منصورون ، وكذلك إن خذلهم لم ينصرهم من بعده ناصر. ومثل ذلك من كلام الله قول موسى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣]. والجبل لا يستقرّ مكانه.
قوله : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) : قال بعضهم : يعني أن يغلّه أصحابه من المؤمنين. ذكر لنا أنّها نزلت على نبيّ الله يوم بدر ، وقد غلّ طوائف من أصحابه ؛ فمن فسّر هذا التفسير فمقرأه
__________________
(١) قصّة تحكيم النبيّ عليهالسلام سعد بن معاذ في بني قريظة وموافقة حكم سعد لحكم الله قصّة مشهورة رواها كتّاب السيرة ورواة الحديث ، انظر مثلا البخاري ، باب مرجع النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إيّاهم ، عن أبي سعيد الخدريّ ، وانظر تفصيل ذلك في مغازي الواقدي ، ج ٢ ص ٥١٠ ، ٥١٥.
(٢) زيادة من تفسير الطبري ، ج ٧ ، ص ٣٤٦. والقول لقتادة.