الجرح (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٢) : أى الجنّة.
وذلك يوم أحد ، حيث قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : رحم الله قوما ينتدبون حتّى يعلم المشركون أنّنا لم نستأصل ، وأنّ فينا بقيّة (١). فانتدب قوم ممّن أصابتهم الجراح ذلك اليوم.
وقال بعض المفسّرين : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) : أى الجنّة. ذلك يوم أحد ، بعد القتل والجراحات ، وبعد ما انصرف المشركون : أبو سفيان وأصحابه ، فقال نبيّ الله لأصحابه : ألا عصابة تنتدب لأمر الله فنطلب عدوّنا ، فإنّه أنكى للعدوّ وأبعد في السّمع (٢). فانطلق عصابة منهم على ما يعلم الله من الجهد بهم ، حتّى إذا كانوا بذي الحليفة (٣) فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم ويقولون : هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس ، فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ؛ فأنزل الله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (١٧٣). قال الكلبيّ : بلغنا أنّ أبا سفيان وأصحابه مرّ بهم قوم من السفّار من التجّار ، وبلّغوهم أنّ القوم يأتونهم (٤) ، فقالوا للتجّار : قولوا لمحمّد وأصحابه : إنّا راجعون إليكم فقاتلوكم ، فأنزل الله هذه الآية.
__________________
(١) روى هذا الخبر كتّاب السيرة عن ابن إسحاق ، ورواه ابن كثير في تفسيره ج ٢ ص ١٥٨ بلفظ قريب ممّا هو هنا.
(٢) رواه ابن جرير الطبري عن قتادة في تفسيره ، ج ٧ ص ٤٠١ ـ ٤٠٣.
(٣) أغلب المصادر تذكر هنا «حمراء الأسد» ، موضع على ثمانية أميال من المدينة ، أمّا رواية قتادة فهي تذكر هنا ـ كما جاء في تفسير ابن كثير ، وفي أسباب النزول للواحدي ، ص : ١٢٧ ـ ذا الحليفة ، وهو موضع على ستّة أميال من المدينة. ويبدو أنّه لا تنافي بين الروايات ، فيمكن أن يكون المسلمون إذ بلغوا ذا الحليفة وهم في طريقهم إلى حمراء الأسد ، جعل الأعراب والناس يأتونهم.
(٤) كأنّ الكلبيّ يشير هنا إلى قصّة معبد بن أبي معبد الخزاعي وتخذيله أبا سفيان وأصحابه حتّى ثنّاه عن الرجوع إلى المدينة لمحاربة الرسول من جديد ، وإلى ركب من عبد القيس الذين حمّلهم أبو سفيان رسالة شفوية إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمرّ الركب برسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). انظر تفصيل ذلك في سيرة ابن هشام ، ج ٣ ص ١٠٢ ـ ١٠٣. وقد أجمع كتّاب السيرة أنّ الرسول صلىاللهعليهوسلم بلغ فعلا حمراء الأسد ، وسمّاها بعضهم : غزوة حمراء الأسد ، لأنّ الرسول عليهالسلام خرج إليها مع سبعين رجلا ممّن كانوا معه في غزوة أحد ، فلم يلق بها حربا ، ورجع إلى المدينة بعد أن أقام بها ثلاثا.