قال الكلبيّ : وبلغنا أنّ أبا سفيان يوم أحد حين أراد أن ينصرف قال : يا محمّد ، موعد ما بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى أن نقتتل بها إن شئت. فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ذلك بيننا وبينك (١). فانصرف أبو سفيان وقدم مكّة ، فلقي رجلا من أشجع يقال له : نعيم بن مسعود ، فقال : إنّي واعدت محمّدا وأصحابه أن يخرج نلتقي بموسم بدر ، فبدا لي ألّا أخرج إليهم ، وأكره أن يخرج محمّد وأصحابه ولا أخرج فيزيدهم ذلك عليّ جرأة ، فيكون الخلف من قبلهم أحبّ إليّ ، فلك عشرة من الإبل إن أنت حبسته عنّي فلم يخرج. فقدم الأشجعيّ المدينة ، وأصحاب محمّد صلىاللهعليهوسلم يتجهّزون لميعاد أبي سفيان. فقال : أين تريدون؟. قالوا : واعدنا أبا سفيان أن نلتقي بموسم بدر فنقتتل بها. فقال : بئس الرأي رأيتم ؛ أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلّا الشديد (٢) ، وأنتم تريدون أن تخرجوا إليهم ، وقد جمعوا لكم عند الموسم! والله إذا لا يفلت منكم أحد. فكره أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يخرجوا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي منكم أحد (٣). فخرج معه سبعون رجلا حتّى وافوا معه بدرا. ولم يخرج أبو سفيان ولم يكن قتال ، فسوّقوا في السوق ، ثمّ انصرفوا. فهو قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) : يعني الأشجعيّ ، (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ ، إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
قال : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) : يعني الأجر (وَفَضْلٍ) : يعني ما تسوّقوا (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) : أى نكبة قتال ولا حرب (٤). (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١٧٤).
قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) : أى يخوّفكم بأوليائه (٥) المشركين. (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٧٥) : قال بعض المفسّرين : يخوّف المؤمن بالكافر ،
__________________
(١) روى الطبري في تفسيره ، ج ٧ ص ٤١١ هذا الخبر عن مجاهد وفيه : «فقال محمّد صلىاللهعليهوسلم : عسى».
(٢) كذا في ق وع ود : «فلم يفلت منكم إلّا الشديد». وفي ز ورقة ٥٦ : فلم يفلت منكم إلّا شريد» ولكلّ معنى صحيح ومناسب.
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج ٧ ص ٤٠٢ عن ابن عبّاس بلفظ : «إنّي ذاهب وإن لم يتبعني أحد».
(٤) في ع : «خوف» ، وفي د : «حرب» ، وفي ز ، ورقة ٥٦ : «(لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) : قتل ولا هزيمة».
(٥) كذا في ق وع : «بأوليائه» ، وهو الصواب ، وفي د : «يخوّفكم أولياءه» ، وفي ز ، ورقة ٥٦ : «يخوّفكم من أوليائه» ، وفي معاني الفرّاء ، ج ١ ص ٢٤٥ : «بأوليائه». وانظر تحقيق ذلك كلّه في تفسير الطبري ج ٧ ص ٤١٧.