فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية ، ثمّ استاك ، ثمّ توضّأ ، ثمّ صلّى ، ثمّ قعد يذكر الله ، ثمّ وضع جنبه فذكر الله ، أحسبه فعل ذلك ثلاث مرّات ، فسألته عائشة ، فتلا هذه الآية ، ثمّ قال : ذكرت الله قائما وقاعدا وعلى جنبي ، فويل لمن لاكها بين لحييه ثمّ لم يتفكّر فيها (١).
وبعضهم يقول : (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) : يعني الصلاة المكتوبة ، إذا لم يستطع أن يصلّي قائما فقاعدا ، وإذا لم يستطع قاعدا فعلى جنبه. قال بعضهم : هذه حالاتك يا ابن آدم كلّها : اذكر الله وأنت قائم ، فإن لم تستطع فاذكره وأنت جالس ، فإن لم تستطع فاذكره على جنبك ، يسرا من الله وتخفيفا.
قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) : أى فقد أهنته (وَما لِلظَّالِمِينَ) : أى للمشركين (مِنْ أَنْصارٍ) (١٩٢).
(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) : يعنون رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٢). (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا).
(رَبَّنا) : أى يا ربّنا (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) (١٩٣) : قال الحسن : أمرهم الله أن يدعوا بتكفير ما مضى من الذنوب والسيّئات والعصمة فيما بقي.
(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) : أى : على ألسنة رسلك. كقوله : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [المائدة : ٧٨]. قال الحسن : وعد الله المؤمنين على ألسنة رسله أن يدخلهم الجنّة إذا أطاعوه.
__________________
(١) روى هذا الحديث هنا مختصرا. وقد رواه عبد بن حميد في تفسيره ، كما رواه ابن أبي حاتم وابن حبّان بأكثر تفصيلا عن عطاء في قصّة دخوله مع عبد الله بن عمر وعبيد بن عمير على عائشة. وفيها أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يبكي عند ما ذكر الله قائما وقاعدا وعلى جنبه. فدخل عليه بلال يؤذنه بصلاة الصبح. وفي الخبر أنّ بلالا سأله عن بكائه فأخبره النبيّ بنزول هذه الآيات ، ثمّ قال : «ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها». انظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ص ١٨٠ ـ ١٨١.
(٢) هذا ما ذهب إليه كثير من المفسّرين. وقال محمّد بن كعب القرظيّ : «ليس كلّ الناس سمع النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولكنّ المنادي : القرآن». وقد رجّح ابن جرير الطبريّ هذا القول الأخير في تفسيره ، ج ٧ ص ٤٨٠ ـ ٤٨١. وهو أعمّ وأنسب.