قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) : هم اليهود. قال الحسن : دخلوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدعاهم إلى الإسلام ، فصبروا على دينهم ، فخرجوا إلى الناس فقالوا لهم : ما صنعتم مع محمّد ، فقالوا : آمنّا به ووافقناه. فقال الله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) ، يقول : فرحوا بما في أيديهم حين لم يوافقوا محمّدا. (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا).
قال الكلبيّ : قالوا : نحن أهل الكتاب الأوّل ، وأهل العلم وأهل الصلاة والزكاة ، ولم يكونوا كذلك ، أحبّوا أن يحمدهم الناس وأن يطأوا أعقابهم بما لم يفعلوا.
وقال مجاهد : (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) أى : بما فعلوا من تبديلهم التوراة ، حرّفوها عن مواضعها ، ففرحوا بذلك ، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، يعني أن يحمدوا على أنّ لهم علما ، وليس عندهم علم بما حرّفوا (١) ، إنّما ابتدعوا من قبل أنفسهم.
وذكر لنا أنّ يهود خيبر أتوا نبيّ الله ، فزعموا أنّهم راضون بالذي جاء به ، وأنّهم يتابعونه ، وهم متمسّكون بضلالتهم ، وأرادوا أن يحمدهم نبيّ الله بأمر لم يفعلوه.
ذكر بعضهم قال : من طلب العلم والحديث ولم يحدّث به لم يرح ريح الجنّة.
قوله : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ) : أى بمنجاة (مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٨٨) : أى موجع.
قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) : أى لذوي العقول ، وهم المؤمنون (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يقولون : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) : أى إنّ هذا سيصير إلى الميعاد. (سُبْحانَكَ) : ينزّهون الله (فَقِنا) : أى : فاصرف عنّا (عَذابَ النَّارِ) (١٩١).
قال الحسن : هذا دعاء علّمه الله المؤمنين يدعون به الله ، ويسألونه الجنّة ، لأنّه إذا وقاهم عذاب النار أدخلهم الجنّة.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ليلة عند عائشة فقال : يا عائشة ، دعيني أتعبّد لربّي. فخرج
__________________
(١) في ق وع : «وليس عندهم علم بما فرحوا» ، وفيه تصحيف صوابه ما جاء في ز : «بما حرّفوا».