قوله : (لَتُبْلَوُنَّ) : أى لتختبرنّ (فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) : أى مشركي العرب (أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٨٦) : أى من حقّ الأمور (١).
ابتلاهم الله في أموالهم ، أى اختبرهم فيها ففرض عليهم حقوقا ، وهو أن يجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، وأن يؤتوا الزكاة وما فرض عليهم. ثمّ أخبرهم أنّهم سيؤذون في جنب الله ، وأمرهم بالصبر.
قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) : وهذا ميثاق أخذ على العلماء من أهل الكتاب أن يبيّنوا للناس ما في كتابهم ، وفيه رسول الله والإسلام. (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) وكتبوا كتبا بأيديهم ، فحرّفوا كتاب الله (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) : يعني ما كانوا يصيبون عليه من عرض الدنيا (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١٨٧) : إذ اشتروا النار بالجنّة.
وذكر بعضهم قال : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ؛ من علم علما فليعلّمه ، وإيّاكم وكتمان العلم.
ذكر عطاء قال : من سئل عن علم عنده فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار جهنّم (٢). ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : مثل الذي يتعلّم العلم ولا يحدّث به كمثل الذي يكنز الكنز ولا ينفق منه (٣).
__________________
ـ أحدكم أو موضع قدم من الجنّة خير من الدنيا وما فيها ...».
(١) كذا في المخطوطات ، وفي تفسير الطبري ، ج ٧ ص ٤٥٦ : «يقول : من القوّة ممّا عزم الله عليه وأمركم به».
وقال ابن الجوزيّ في زاد المسير ، ج ١ ص ٥٢٠ : «أي : ما يعزم عليه ، لظهور رشده».
(٢) وهذا أيضا نصّ حديث صحيح رواه أحمد ، ورواه أبو داود في كتاب العلم ، باب كراهيّة منع العلم (٣٦٥٨) ، وأخرجه الترمذيّ في كتاب العلم ، باب ما جاء في كتمان العلم ، كلّهم يروونه من طريق عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مرفوعا.
(٣) لم أجده نصّا لحديث فيما بين يديّ من مصادر الحديث والتفسير ، إلّا أنّ الطبريّ أورد في تفسيره ، ج ٧ ص ٤٦١ ، قولا سديدا لقتادة جاء فيه : «كان يقال : مثل علم لا يقال به ، كمثل كنز لا ينفق منه. مثل حكمة لا تخرج ، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب. وكان يقال : طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع».