كتاب الله بعضه ببعض (١).
ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : اقرأوا القرآن ما اجتمعتم ، فإذا اختلفتم فقوموا (٢).
قوله : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ) : أى من أنّ إخوانهم آمنون ظاهرون (أَوِ الْخَوْفِ) : يعني القتل والهزيمة (أَذاعُوا بِهِ) : أى أشاعوه وأفشوه. (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) : قال الحسن : الفقهاء (٣). قال : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) : أى الذين يفحصون عنه ويهمّهم ذلك. وقال مجاهد : الذين يتّبعونه ويتحسّسونه منهم.
قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٣) : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) : الإسلام ، (وَرَحْمَتُهُ) : القرآن. وأمّا قوله : (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) فإنّه تقديم وتأخير ؛ يقول : لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلّا قليلا ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتّبعتم الشّيطان.
قال : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) : أى على القتال ، أى أخبرهم بحسن ثواب الله في الآخرة للشهداء (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ
__________________
ـ عقولهم وجهالتهم. وقرأ : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). قال : فحقّ على المؤمن أن يقول : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، ويؤمن بالمتشابه ، ولا يضرب بعضه ببعض. وإذا جهل أمرا ولم يعرفه أن يقول : الذي قال الله حقّ ، ويعرف أنّ الله تعالى لم يقل قولا وينقضه ؛ ينبغي أن يؤمن بحقيقة ما جاء من الله». انتهى كلام ابن زيد ، فتأمّله فإنّه كلام نفيس.
(١) لم أجده بهذا اللفظ ولكن ورد معناه في حديث رواه الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند ما تمادى مشيخة من صحابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ارتفعت أصواتهم ، فخرج رسول الله عليه الصلاة والسّلام مغضبا وقال : «مهلا يا قوم ، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم : باختلافهم على أنبيائهم ، وضربهم الكتب بعضها ببعض ؛ إنّ القرآن لم ينزل ليكذّب بعضه بعضا ، بل يصدّق بعضه بعضا ، فما عرفتم فاعملوا به ، وما جهلتم فردّوه إلى عالمه». انظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ص ٢٢٦ ، وانظر عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير ، اختيار وتحقيق أحمد شاكر ، ٣٠ : ٢٢٦ ، والتعليقين : ١ و ٢.
(٢) وفي هذا المعنى أخرج مسلم في كتاب العلم ، باب النهي عن اتّباع متشابه القرآن والتحذير من متّبعيه (٢٦٦٧) عن جندب بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، فإذا اختلفتم فيه فقوموا».
(٣) كذا في ع ود : «الفقهاء» ، وفي ز ، ورقة ٦٩ : «أولي العلم منهم».