وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (٩٠) : نسختها هذه الآية (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
قال بعضهم : ذكر لنا أنّهما رجلان من قريش كانا مع المشركين بمكّة ، وكانا قد تكلّما بالإسلام ولم يهاجرا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فلقيهما أناس من أصحاب النبيّ عليهالسلام وهما مقبلان إلى مكّة ؛ فقال بعضهم : إنّ دماءهما وأموالهما حلال ، وقال بعضهم : لا يحلّ لكم ذلك ، فأنزل الله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) حتّى انتهى إلى قوله : (... أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) : أى كارهة صدورهم.
ذكروا أنّ مجاهدا قال : هم قوم خرجوا من أهل مكّة حتّى أتوا المدينة ، ليأتوا ببضائع لهم يتّجرون فيها ؛ فاختلف فيهم الناس ، فبيّن الله نفاقهم وأمر بقتالهم.
قوله : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) : قال الحسن : إذا لقوا المؤمنين قالوا : إنّا منكم ، وإذا لقوا المشركين قالوا : إنّا منكم. (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ) : أى عن قتالكم (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) (٩١) : أى حجّة بيّنة.
وقال بعضهم : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) : كانوا حيّا (١) بالحجاز فقالوا : يا نبيّ الله ، لا نقاتلك ولا نقاتل قومنا ، وأرادوا أن يأمنوا نبيّ الله ويأمنوا قومهم ، فأبى الله ذلك عنهم.
وقال مجاهد : هم أناس من أهل مكّة ، كانوا يأتون النبيّ عليهالسلام فيسلّمون عليه رياء (٢) ، ثمّ يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا ، فأمروا بقتالهم إن لم يعتزلوا ويكفّوا.
قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) : قال الحسن : (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ)
__________________
(١) كذا في ع : «كانوا حيّا» ، وفي د : «كان قوم بالحجاز» ، وفي تفسير الطبري ، ج ٩ ص ٢٨ : «حيّ كانوا بتهامة».
(٢) كذا في ع وفي د ، وفي ز ، ورقة ٧٠ : «فيسلّمون عليه» من التسليم ، وفي تفسير مجاهد ص ١٦٩ ، وفي تفسير الطبري ، ج ٩ ص ٢٧ : «يسلمون رياء» من الإسلام ، وهذا الأخير أقرب إلى الصواب.