ذكروا أنّ أناسا من عرينة (١) قدموا على النبيّ المدينة فأسلموا ، فاستوخموا المدينة ، فأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يخرجوا في إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها [وأبوالها] (٢). ففعلوا حتّى صحّوا فقتلوا راعي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وساقوا الإبل ، وكفروا بعد إسلامهم. فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم في طلبهم ، فجيء بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمر أعينهم ، وتركهم في الحرّة حتّى ماتوا.
قال بعضهم : إنّ هذا كان من قبل أن تنزل الحدود. وذكر أبو هريرة أنّهم لّما جيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمّر أعينهم نزلت هذه الآية : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) إلى آخر الآية ، فترك سمر الأعين.
وذكروا عن بعضهم أنّه قال : تلك حدود أنزلها الله : إذا حارب فأخذ المال وقتل صلب ، وإذا حارب فقتل ولم يأخذ مالا قتل ، وإذا حارب فأخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإذا حارب فلم يقتل ولم يأخذ مالا نفي. ذكر عن الحسن أنّه قال : نفي بالسيف. وذكر عنه قال : ذلك إلى الوالي يصنع ما شاء ، يعني أنّه [مخيّر] (٣). والعامّة من فقهائنا على قول الحسن : إلى الوالي يصنع من ذلك ما شاء ، وليس للوليّ من ذلك شيء (٤).
ومن رأى أنّ هذا حكم في المسلمين ماض فيأخذها من هذا الموضع (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً). ذكروا عن عكرمة عن ابن عبّاس في قوله : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) أى أن يعجزوا فلا يقدر عليهم. وأمّا قوله : (مِنْ خِلافٍ) فإنّه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى. فذلك تفسير قوله : (مِنْ خِلافٍ).
__________________
(١) كذا في ع ود : «من عرينة» ، وفي ز : «من عكل وعرينة» ، وقد اختلف المفسّرون في هؤلاء الرهط ، هل هم من عرينة أو من عكل وعرينة ، وقصّتهم مرويّة معروفة في كتب السنن ، انظر الطبري في تفسيره ، ج ١٠ ص ٢٤٤ ـ ٢٥١. وترجم البخاري في المغازي : «باب قصّة عكل وعرينة».
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٨٢. وترجم البخاري في كتاب الوضوء : باب أبوال الإبل والدوابّ والغنم ومرابضها ، وفيه عن أنس قال : «قدم أناس من عكل وعرينة ...» الحديث.
(٣) في الأصل بياض قدر كلمة أثبتّ فيه هذه الكلمة التي يقتضيها السياق.
(٤) يعني المؤلّف بلفظ الوالي هنا الإمام الذي له الخيار في تنفيذ الحدّ الذي يراه مناسبا. أمّا الوليّ فهو وليّ المقتول من أقاربه ، ليس له عفو ولا قود.