فقال : إنّهم ليقولون ذلك. فقال : إنّي أناشدك بالذي فلق البحر لبني إسرائيل ، وأنزل التوراة على موسى ، وأنزل عليهم المنّ والسلوى ، ما تجدون في كتابكم؟ فقال : لقد سألتني بعظيم ولا ينبغي لي أن أكتمك ؛ في كتابنا الرجم ، ولكنّا كنّا نتكاتمه بيننا ، فرجمهما رسول الله.
وقال بعضهم : بلغنا أنّ اليهود قالت حين زنى ذلك الرجل منهم ؛ إنّه بلغنا أن محمّدا يجلد الزاني مائة ، وفي كتابنا الرجم ، فنرفع هذا إليه. فقال لهم بعض المنافقين : سلوه عن ذلك فإن أخبركم بالجلد فاقبلوه ، وإن أخبركم بالرجم فاحذروا. وهو قوله : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ـ آخَرِينَ) أى : ليسوا منهم ؛ أى إنّ المنافقين قوم آخرون ليسوا من اليهود المشركين ولا من المؤمنين ، كقوله : (ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ) [سورة المجادلة : ١٤] وكقوله : (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) [النساء : ١٤٣] فقال : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ـ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا) يقول المنافقون لليهود : (إِنْ أُوتِيتُمْ) أى : إن أعطيتم هذا ، أى الجلد (فَخُذُوهُ) أى : من محمّد ، (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ) أى : وإن لم تعطوه (فَاحْذَرُوا). فلمّا أتوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم فسألوه جاء جبريل إلى النبيّ عليهالسلام فقال : يا محمّد ، سلهم عن شابّ أعور يقال له ابن صوريا : ما حاله فيهم؟ فسألهم عنه فقالوا : هو أعلم أهل الدنيا بما أنزل على موسى. فقال لهم رسول الله : أترضون به؟ فقالوا : نعم. فبعثوا إلى ابن صوريا فجاء. فقال له رسول الله : أنت ابن صوريا؟ فقال : نعم. فقال : أنت أعلم اليهود؟ قال : كذلك تقول اليهود. فقال رسول الله : ما على الزاني المحصن في كتابكم؟ وناشده بالله فقال له : بالذي نجّاكم من آل فرعون ، وفلق لكم البحر ، وأنزل عليكم المنّ والسلوى ، وبالذي أنزل التوراة على موسى لما أخبرتني بما في كتابكم. فقال ابن صوريا : الرجم ، ولو لا أنّي تخوّفت أن تحرقني التوراة ما أخبرتك. فسأل النبيّ عن أشياء فأخبره بها النبيّ. فآمن ابن صوريا. فقالت له اليهود : والله ما كنت بأهل لما أثنينا به عليك. ولكن كرهنا أن نعيبك (١) ، وأنت غائب.
قوله : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) : قال الحسن : يعني موسى وعيسى ومحمّدا حكموا بالرجم جميعا ؛ يقول : يحكم بها النبيّون المسلمون (لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) : يعني علماءهم الذين رفعوا اليهوديّ الزاني إلى النبيّ. (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) : أى بعد أنبيائهم (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ). قال
__________________
(١) كذا في د : «أن نعيبك» ، وفي ع : «أن نغتابك».